لابد من الرمز والإيماء أو التلويح إلى الحقيقة، وفتحِ الأبواب للأفكار ودعوتِها للدخول كما عملت الشريعةُ الغراء. فيا هذا أمِن الإنصاف وتحرِّي الحقيقة أن تتوهّم ما هو إرشادٌ محض وعينُ البلاغة ولب الهداية أنه مناف للإرشاد ومباين له. وأن تتخيلَ ما هو عينُ الكمال في البلاغة نقصاً فيها؟!.

فيا هذا أهكذا البلاغةُ في ذهنك السقيم: تكليف بتغليط الأذهان وتشويش الأفكار، وبما لا تهضمه العقول، لعدم ملاءمة المحيط وإعدادِ الزمان.. كلا بل [كلِّم الناسَ على قدر عقولهم] (74) دستور حكيم. فإن شئت فراجع المقدمات، ولاسيما المقدمة الأولى وتأمل فيها جيداً.

أما الجواب عن الريب الثالث:

وهو إمالة بعض ظواهر الآيات إلى ماينافي الدلائل العقلية:

فتدبّر في المقدمة الأولى، ثم استمع إلى أن المقصد الأصلي للشارع الحكيم من إرشاد الجمهور محصورٌ في إثبات الصانع الواحد والنبوةِ والحشرِ والعدالةِ. لذا فذكرُ الكائنات في القرآن إنما هو تبَعي واستطرادي للاستدلال، أي الاستدلال بالنِظَام البديع في الصنعة -الظاهرة لأفهام الجمهور- على النَّظَّام الحقيقي جل جلاله. والحال أن أثر الصنعة ونظامَها يتراءى في كل شيء. وكيف كان التشكل فلا علينا إذ لا يتعلق بالمقصد الأصلي.

تنبيه: من المقرر أن الدليل ينبغي أن يكون معلوماً قبل المدَّعى، لذا قد أُميل ظواهرُ بعض النصوص لاتضاح الدليل واستئناس الأفكار بالمعتقدات الحسية للجمهور، لا ليدلّ عليها بل قد نصَب القرآنُ في تلافيفِ آياته أماراتٍ وقرائنَ ليشير إلى ما في تلك الأصداف من جواهر وإلى ما في تلك الظواهر من حقائق لأهل التحقيق.

نعم، إن الكتاب المبين الذي هو كلام الله إنما يفسِّر بعضه بعضاً. أي إن بعض الآيات تُبين ما في ضمائر أخواتها. لذا قد تكون بعض الآيات قرينة لأخرى، فالمراد ليس المعنى الظاهري.

فلو قيل في مقام الاستدلال: تفكروا في سكون الشمس مع حركتها الظاهرية، وحركةِ


Yükleniyor...