ثانيتها: الإطلاق والإبهام في العلوم الكونية، مع أنه منافٍ لمسلك التعليم والإرشاد الذي هو المقصود الحقيقي للشريعة.

ثالثتها: إن قسماً من ظواهر القرآن أميَل إلى خلاف الدليل العقلي، فيحتمل خلاف الواقع، وهو مخالف لطريق القرآن الذي هو التحقيق والهداية.

أيها الأخ! أقول وبالله التوفيق:

إن ما تتصورونه سبباً للنقص -في هذه النقاط الثلاث- ليس كذلك، بل هو أصدق شاهد على إعجاز القرآن.

أما الجواب عن الريب الأول: وقد رأيتَ هذا الجواب -ضمناً- مرتين:

اعلم أن الجمهور الأكثر هم عوام، والأقلُّ تابع للأكثر في نظر الشارع، لأن الخطاب المتوجه نحو العوام يستفيد منه الخواص ويأخذون حصتهم منه، ولو عُكس لبقي العوامُ محرومين. وأن جمهور العوام لا يجرِّدون أذهانَهم عن المألوفات والتخيلات، فلا يقتدرون على درك الحقائق المجردة والمعقولات الصرفة إلّا بمنظار متخيلاتهم وتصويرِها بصورة مألوفاتهم. لكن بشرط أن لا يبقى نظرُهم على الصورة نفسها حتى يلزم المحال، كالجسمية أو الجهة بل يمر نظرهم إلى الحقائق.

مثلاً: إن الجمهور إنما يتصورون حقيقة التصرف الإلهي في الكائنات بصورة تصرف السلطان الذي استوى على سرير السلطنة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﹛﴿ اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوٰى ﴾|﹜ (طه:٥)، وإذ كانت حسيات الجمهور في هذا المركز، فالذي يقتضيه منهجُ البلاغة ويستلزمه طريق الإرشاد، رعاية أفهامهم واحترام حسياتهم ومماشاة عقولهم ومراعاة أفكارهم. فهذه المنازل التي يُراعى فيها عقول البشر ويُحترم تسمى ب«التنزّلات الإلهية» فهذا التنزل لتأنيس أذهانهم. راجع المقدمة العاشرة.

فلهذا وضعَ صور المتشابهات التي تراعي الجمهور المقيدين بأحاسيسهم ومتخيلاتهم منظاراً على نظرهم لرؤية الحقائق المجردة. ولهذا فقد أكثَرَ الناسُ في كلامهم من الاستعارات لتصوّر المعاني العميقة أو لتصوير المعاني المتفرقة، في صورة سهلة بسيطة، بمعنى

Yükleniyor...