قال بعد ما أنعم النظر في حقائق الإسلام: «إن كان الإسلام هكذا فيا ترى أيمكن للمدنية الحاضرة أن تعيش ضمن إطار الإسلام؟. فأجاب نفسه: نعم.» بل المحققون الآن يعيشون ضمن تلك الدائرة.

ثم قال كارلايل: «ما كاد يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب وجدليات النصرانية وكل ما لم يكن بحق فإنها حطبٌ ميت أكلته نارُ الإسلام فذهب».

نعم، إنه منذ ثلاثة عشر قرناً حافظ الإسلامُ على حقائقه رغم التحولات والانقلابات والمصادمات بل كانت تلك مخفِفةً كاهله عما تساقط من تراب الأوهام والريوب.

نعم، إن الوجود والحال الحاضرة للعالم شاهد على هذا.

ولا بد مِن أَخْذ مقدمات المقالة الأولى بنظر الاعتبار.

إن قلت: إن معرفة خلاصةٍ وفذلكةٍ من كل علم ممكن لشخص.

الجواب: نعم، لا.. لأن الخلاصة بحسن الإصابة في موقعها المناسب واستعمالها في أرض منبتة، مع أمور ونقاط ذُكرت سابقاً، تشفّ كالزجاجة عن مَلَكة تامة في ذلك العلم واطلاع تام فيه. فتكون الخلاصةُ في حكم العلم، ولا يمكن لشخص أمثال هذه.

إن كلاماً واحداً يصدر عن متكلمَين اثنين، يدل -لبعض الأمور المذكورة غير المسموعة- على جهل هذا، وحذاقة ذاك.

يا أخا الوجدان! يا من يرافقني بخياله من أول منازل هذا الكتاب! انظر بمنظار واسع ووازِن الأمورَ وكوّنْ في خيالك مجلساً رفيعاً لإجراء محاكمات عقلية، واستحضِرْ ما تنتقيه من المقدمات الاثنتي عشرة، ثم شاور القواعد الآتية:

إن شخصاً لا يتخصص في علوم كثيرة... وإن كلاماً واحداً يتفاوت من شخصين.. وإن العلوم نتيجةُ تلاحق الأفكار وتتكمل بمرور الزمن.. وإن البديهي في المستقبل قد يكون نظرياً في الماضي.. وإن معلوم المدني قد يكون مجهول البدوي.. وإن قياس حال الماضي على المستقبل قياس خادع مضل.. وإن بساطة أهل البادية والوبر لا تتحمل حِيَلَ ودسائسَ أهل المدينة والمدر. نعم، إن الحيَل ربما تتستر تحت حجاب المدنية.. وإن كثيراً من العلوم


Yükleniyor...