المحبوب أو المشبعة بمحاسن غيرها، فتهاجم معاً وتنطلق من تلك الخيالات إلى اللسان وتستردف ميل زلال الوصال، وتضع على يمينها آلام الفراق، وتضع في يسارها التعظيم والتأدب والاشتياق، وتضع أمامها محاسن المحبوب المقتضي للعطف والترحم، فتنشر تحية ثنائها، وتنظم قلائد مدحها، المتجلية من الكل بوصف الفضائل المستجلِب لزلال الوصال، المطفِئ للنار الموقدة على الأفئدة. فانظر كم من المعاني ترفع رأسها من غير الطبقات التي تعرفها.

فإن لم تخف فانظر إلى وجدان كل من ابن الفارض وأبي الطيب المنبهر أكثر من عيونهما، وتأمل في ترجمان الوجدان في:

غرستُ باللحظ ورداً فوق وجنتها حقٌ لطرفيَ أن يجنِي الذي غرسا (61)

وأيضاً:

فللعين والأحشاء أول هل أتى تلا عائدي الآسي وثالث تبت (62)

وأيضاً:

صدٌّ حَمى ظمئي لُماكَ لماذا وهواك قلبي صار منه جُذاذاً (63)

وأيضاً:

حشايَ على جَمر ذكيّ من الغضا وعينايَ في روضٍ من الحُسن ترتعُ (64)

فشاهد واستمع كيف أن عيونهم تتجول في جنة وسعيرُ وجدانهم تُعذِّب.

ولقد بيّن الشعراء خيالات رقيقة جداً بالإشارة إلى محاسن المحبوب، وبالرمز إلى استغنائه، وبالإيماء إلى التألم من فراقه، وبالتصريح بالشوق إليه، وبالتلويح بطلب الوصال، وبالنص على الحسن الجالب للعطف.. مع ما يحرك الحسيات من أطوار.

Yükleniyor...