فإن شئت فادخل في «مقامات الحريري» فإنه مع جلالة قدره في الأدب، فقد استهواه حبُّ اللفظ وبذلك أخلّ بأدبه الرفيع، فأصبح قدوة للمغرَمين باللفظ، حتى خصص الجرجاني -ذلك العملاق- ثلث كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة دواءً لعلاج هذا الداء.
نعم، إن حب اللفظ داء، ولكن لا يعرف أنه داء!
تنبيه: كما أن حب اللفظ مرضٌ، كذلك حب التصوير (الفني)، وحب الأسلوب، وحب التشبيه، وحب الخيال، وحب القافية مرض مثله. بل ستكون هذه الأمراض بالإفراط أمراضاً مزمنة في المستقبل، كما تبدو البوادر من الآن. حتى يُضحَّى بالمعنى في سبيل ذلك الحب، بل بدأ كثير من الأدباء بإساءة الأدب والأخلاق لأجل نادرة ظريفة، أو لإتمام قافية رنانة.
نعم، اللفظ يُزيَّن ولكن إذا اقتضته طبيعةُ المعنى وحاجتُه..
وصورةُ المعنى تُعظّم وتعطى لها مهابةٌ ولكن إذا أذِن بها المعنى...
والأسلوبُ يُنوَّر ويلمَّع ولكن إذا ساعده استعدادُ المقصود...
والتشبيه يلطَّف ويجمَّل ولكن إذا تأسس على علاقة المقصود وارتضى به المطلوب...
والخيالُ يُنشط ويسيّح ولكن إذا لم يؤلِم الحقيقة، ولم يثقل عليها، وأن يكون مثالاً للحقيقة متسنبلاً عليها.
Yükleniyor...