إن الشمس كسفينة مدرَّعة مصنوعة من ذَوب الذهب تجري وتسبَح في بحر السماء الأثيري -المعبّر عنه بموج مكفوف- (50) وهي وإن أُرسيَت في مستقرها إلّا أن ذلك الذهب الذائب يجري في ذلك البحر العظيم، بحرِ السماء. ولكن ذلك الجريان إنما هو بالنظر الحسي الذي يُراعى لأجل التفهيم، فهو جريان تبَعي وعرضي. إلّا أن للشمس جريانين حقيقيين؛ ولابد أن يكون لها جريانٌ، لأن المقصد -من الآية- بيانُ الانتظام... وحسب أساليب العرب وفي نظر النظام إن كان الجريان ذاتياً أو تبعياً فالأمر سواء.

ثانياً: إن الشمس في مستقرّها وعلى محورها متحركةٌ، لذا فإن أجزاءها التي هي من ذوب الذهب تجري أيضاً، هذه الحركة الحقيقية هي حبّةٌ من تلك الحركة المجازية المذكورة بل هي محرّكها.

ثالثاً: إنه من مقتضى الحكمة أن جريان الشمس وجنودِها التي هي سياراتُها في فضاء العالم في جريان مشاهَد، لأن القدرة الإلهية قد جعلت كل شيء حياً ومتحركاً ولم تجعل شيئاً محكوماً عليه بالسكون المطلق، ولم تسمح الرحمة الإلهية أن يتقيد أي شيء كان بالعطالة المطلقة التي هي أخت الموت وابنة عم العدم. لذا فالشمس أيضاً طليقةٌ بشرط إطاعتها للقانون الإلهي، فلها الحرية في الجريان، ولكن بشرط ألّا تتدخل في حرية غيرها. إن الشمس سلطان الفضاء وهي المتمثلة للأمر الإلهي، والمنفّذة للمشيئة الإلهية في كل حركاتها.

نعم، إن جريان الشمس كما يكون على سبيل الحقيقة يمكن أن يكون على سبيل المجاز أيضاً، وكما أن جريان الشمس حقيقي وذاتي يمكن أن يكون عرَضياً وحسياً أيضاً. والمنار على المجاز كلمةُ ﹛﴿ تَجْر۪ي ﴾|﹜ والملوِّح للعقدة الحياتية لفظ ﹛﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾|﹜ .

نحصل مما سبق: أن المقصد الإلهي في هذه الآية الكريمة إبرازُ النظام والانتظام، فالنظام ساطع كالشمس، وبناء على قاعدة: «كُلِ العسلَ ولا تسل» فإن الحركة المُنتجة للنظام سواء كانت من الشمس أو من دوران الأرض، أيما كانت، فلسنا مضطرين إلى تحرّي السبب الأصلي لأنه لا يخلّ بالقصد الأساس في ذكر الآية. شبيه ذلك: الألف مثلاً في «قال»، تحصل بها الخفة، فأياً كان أصل الألف، فالخفة حاصلة والألف ألف، حتى لو كان أصلها قافاً بدل الواو..

Yükleniyor...