«ذو القرنين» (36) وهو شخص مؤيَّد من عند الله، بنى سداً بين جبلين بإرشاده وتدبيره، دفعاً لفساد الظالمين والبدويين.. ويأجوج ومأجوج قبيلتان مفسدتان، وإن السد سيُدمّر حالما يأتي أمرُ الله.. الخ.

وعلى هذا القياس؛ فما دلّ عليه القرآنُ من أحكام، هو من ضروريات القرآن، أي إنه قطعيُّ الدلالة، ولا يمكن إنكارُ حرف منه، ولكن تفصيلاتِ تلك المواضيع وكيفياتِها ووجوهَها وحدودَ ماهياتها ليست قطعيةَ الدلالة في القرآن، بل ثبت أنه لا يدل عليها حسب قاعدةِ: «لا يدل العام على الخاص بأيٍّ من الدلالات الثلاث»، وحسب دستور علم المنطق: «يكفي للحُكم تصوُّر وجهٍ ما بين الموضوع والمحمول»، ولكن يمكن أن يقبلها القرآنُ. أي إن تلك التفصيلات هي من الأحكام النظرية محوَّلةٌ إلى دلائل أخرى، فهي مظنّة الاجتهاد، وفيها مجال للتأويل. والدليل على نظريتها (ظنيتها) اختلاف العلماء.

ولكن يا للأسف، فإنه بتخيل لزوم مطابقة الجواب لتمام السؤال، ومن دون اهتمامٍ بخلل السؤال، أخذوا الأحكامَ الضرورية والنظرية للجواب بأجمعها من مصدر السائل ومنبَت السؤال وأصبحوا مفسِّرين له، لا بل مؤوِّلين لما يجوز أن يدلّ عليه الجواب، لا بل أظهروا أفراد المعنى معنىً له، لا بل أوّلوا ما يجوز أن يصدُق عليه مع شيء من الإمكان مدلولاً مفهوماً له... فتلقّاه الظاهريون بالقبول، والعلماءُ بالإصغاء دون تنقيد لعدم أهميته كالحكايات كما وضح في «المقدمة الثالثة». ولكن لو قبل بتلك التفصيلات كما ورد في التوراة والإنجيل المحرّفَين فإنها تخالف عصمة الأنبياء التي يعتقد بها أهلُ السنة والجماعة... الشاهد على هذا قصةُ لوط وداود عليهما السلام.

ولكن لما كان في الكيفية مجالٌ للاجتهاد والتأويل، فأنا أقول وبالله التوفيق:

الاعتقاد الجازم بما أراد الله تعالى ورسولُه ﷺ واجبٌ قطعاً، لأنه من ضروريات الدين، أما المراد ما هو؟ فاختُلف في تعيينه:

فذو القرنين -لا أقول إسكندر، لأن الاسم لا يسمح بذلك- قال بعض المفسرين في حقه: إنه مَلَك، وقيل: ملِك، وقيل: نبي، وقيل: ولي.. إلى آخر ما قيل.


Yükleniyor...