لمرور الأوهام؛ لأن الجهل ربما يكون عذراً للنقصان، بينما الزيادةُ لا تكون إلّا بالعلم، والعالِم لا يُعذَر، فكما أن هذا هكذا، فالوصل والفصل في الدين لا يجوز أيضاً، بل إن إدخالَ زيفِ الحكايات وخبَثِ الإسرائيليات وأباطيل التشبيهات في ألماس العقيدة وجوهر الشريعة ودُرر الأحكام إنما هو حطٌّ لقيمتها وتنفيرٌ لطالبيها من متحرّي الحقيقة، ودفعهم للندامة.

خاتمة الخاتمة: إن ترك المستعِد لِما هو أهلٌ للقيام به، وتشبثَه بما ليس أهلاً له، عصيانٌ كبير وخرق فاضح لطاعة الشريعة الكونية (شريعة الخِلقة)؛ إذ من شأن هذه الشريعة انتشارُ استعداد الإنسان ونفوذُ قابليته في الصنعة، واحترامُ مقاييس الصنعة ومحبتها، وامتثالُ نواميسها والتمثل بها. وخلاصة الكلام: إن شأن هذه الشريعة الفناءُ في الصنعة.

وإذ وظيفة الخلقة هذه، فإن الإنسان بمخالفته هذه الشريعة يغيّر الصورة اللائقة بالصنعة ويخل بنواميسها، ويشوّه صورةَ الصنعة غير الطبيعية -التي تشبث بالقيام بها- بميله الكامن للصنعة الأخرى لعدم الامتزاج بين الميل والصنعة، فيختلط الحابل بالنابل.

وبناءً على هذا، فإن كثيراً جداً من الناس يمضي بميل السيادة والآمرية والتفوّق على الآخرين، فيجعل العلمَ المشوّق المرشد الناصح اللطيف وسيلةَ قسرٍ وإكراه لاستبداده وتفوقه، فبدلاً من أن يخدم العلمَ يستخدمه. وعلى هذا فقد دخلت الوظائفُ بيد من ليسوا لها أهلاً، ولاسيما الوظائف في المدارس الدينية، فآلت إلى الاندراس نتيجة هذا الأمر.

والعلاج الوحيد لهذا: تنظيم المدرّسين الذين هم في حكم العاملين في دائرة واحدة، في دوائر كثيرة كما هو الحال في الجامعة، كلٌّ في مجال اختصاصه، ليذهب كلُّ واحدٍ بسَوقِ إنسانيته، وبتوجهه نحو حقه، ينفِّذ قاعدةَ تقسيم الأعمال بميله الفطري امتثالاً للأمر المعنوي للحكمة الأزلية.

تنبيه: إن السبب المهم الذي أدّى إلى تدنّي علوم المدارس الدينية، وصرَفَها عن مجراها الطبيعي هو أن العلوم الآلية (21) لما أُدرجت في عداد العلوم المقصودة، أصاب الإهمالُ العلومَ العالية، فسيطر على الأذهان حَلُّ العبارة العربية التي لباسُها (لفظُها) في حكم معناها، وظلَّ


Yükleniyor...