بقبعاتهم لهؤلاء المحتلين وينثرون عليهم الورود. أما الروم فقد كانوا يحملون أعلام اليونان الصغيرة ويهتفون: زيتو . زيتو. أي يعيش. يعيش.

وبين مظاهر فرح اليهود والأرمن والروم وهتافاتهم وتصفيقاتهم اخترق القائدُ الفرنسي الجنرال «فرانس دوبر» شارع «بك أوغلو» متوجهاً إلى السفارة الفرنسية ممتطياً جواداً أبيض، وملوحاً بيديه لهؤلاء المستقبِلين، مقلداً في ذلك الفاتحين العظماء في التاريخ. بل لم يتورع مِنْ وَطْءِ العَلَم العثماني بحوافر جواده.

أما المسلمون فقد كانوا يشاهدون هذه المناظر بقلوب جُرحت وعيون تجمدتْ في مآقيها الدموع، ويطوون هذه الآلام في أعماق قلوبهم.

ولم تكن إسطنبول هي المدينة الوحيدة التي احتلتها دول الحلفاء. بل تم احتلال مدن أخرى كثيرة، احتلها الأرمن والإيطاليون والإنكليز واليونان والروس حيث سُرِّح الجيش العثماني من الخدمة بموجب تلك المعاهدة المذكورة ولم يبق إلّا الأناضول (وسط تركيا) سالماً من الاحتلال.

وهكذا امتلأت شوارع هذه المدن بجنودٍ سكارى يعربدون ويصخبون ويفسدون كيفما شاؤوا. ويخيم على الأحياء الإسلامية حزنٌ صامت.

في هذا الجو القاتم كان الأستاذ النورسي يشعر بألم عميق، وكان أصدقاؤه يحاولون التسرية عنه والتخفيف من شدة آلامه. وهو يقول لهم والأسى يعصر قلبه:

«لقد تحملتُ آلامي الشخصية كلها. ولكن آلام الأمة الإسلامية سحقتني، إنني أشعر بأن الطعنات التي وجهت إلى العالم الإسلامي، أنها توجه إلى قلبي أولاً. ولهذا ترونني مسحوق الفؤاد. ولكني أرى نوراً سَيُنْسينا هذه الآلام إن شاء الله».

ومع أن الجانب العسكري والمادي للدولة العثمانية قد انهدّ أمام الحلفاء، إلّا أن الحرب النفسية ما زالت دائرة، فالإنكليز ما فتئوا يزاولون بث الأفكار والشبهات كي يكون النصر ساحقاً وكاملاً ونهائياً من دون أن يكون هناك احتمال للمقاومة، فيجب أن تُسلِّمَ الضحيةُ رقبتَها برضاها إلى جلاديها دون تذمر. (1)

Yükleniyor...