الأرواح والمعنويات نظائرَ متسلسلة أعجب، يصدِّق بها كلُّ مَن يملك عقلاً، بل يرى أغلبَها كلُّ مَن يملك بصيرة.

فهذه الأمور المتسلسلة المترابطة في الكون سواءٌ منها المادية أو المعنوية تهاجم أهلَ الضلال الذين حُرموا من الإيمان وتهددهم وتُرهبهم وتحطّم قواهم المعنوية، بينما لا تخيف أهلَ الإيمان ولا تهددهم بشيء بل تبعث فيهم السرور والسعادة والأُنس والأمل والقوة، وذلك لأنهم يرون الوجود بنور الإيمان، وتلك الحوادث المتسلسلة، وتلك القاطرات المادية والمعنوية والعوالم السيارة، إنما تساق إلى وظيفة معينة محددة من قِبَل صانع حكيم لتؤديها ضمن نظام وحكمة من دون اختلاط ولا تجاوز قط.

فيُري الإيمانُ المؤمنَ أن كل شيء ينال قبساً من تجليات جمال الله وإتقان صنعته سبحانه، ويمنحه قوة معنوية عظيمة بما يفتح له من نماذج للسعادة الأبدية.

وهكذا فإن ما يعانيه أهل الضلال من الآلام الرهيبة الناشئة من فقدان الإيمان، وما يلازمهم من خوف ورعب شديدين، تقف إزاءه جميعُ أنواع الرقي البشري عاجزةً لا تمنح له سلواناً ولا عزاءً، بل لا يمكنها أن تضمن له قوة معنوية، فتتحطم الجرأة والإقدام.. إلّا ما تخدعه الغفلة من إسدال ستار النسيان عليها.

أما أهل الإيمان فلا تُرهبهم تلك الحادثات ولا تأخذ من معنوياتهم؛ وذلك بفضل الإيمان (مثل ذلك الصبي) بل تزيد معنوياتهم صلابة، إذ ينظرون إليها -أي إلى الحوادث- من خلال حقيقةِ إيمانهم فيشاهدون إرادة الصانع الحكيم وإدارته وتدبيره إياها ضمن حكمته الواسعة، فيتحررون من المخاوف والأوهام، إذ يعلمون أنه: لولا أمرُ الصانع الحكيم وإذنه لما استطاعت هذه العوالم السيارة الحركةَ قط، فينالون بهذا اطمئناناً يسعدهم في الدنيا كذلك، كل حسب درجته.

ومن لم يكن في قلبه ووجدانه بذرة هذه الحقيقة النابعة من الإيمان والدين الحق، ولم يستند إلى ركيزة، فمثله كمثل ذينك البطلين المشهورين، إذ تنهار قواه المعنوية بمثل تحطّم جسارتهما وبطولتهما، ويكون أسيرَ حادثات الكائنات فيتفسّخ وجدانه ويصبح كالمتسول الذليل بإزاء كل حادثة.

Yükleniyor...