افرضوا خيالاً أن رستم الفارسي وهرقل اليوناني، واقفان موقف الصبي هذا، وإذ هما لا علم لهما بالقطار، فلا يعتقدان بأنه يسير وفق نظام معين، فإذا ما خرج عليهما من النفق المظلم وفي رأسه النار ذات الوقود وفي أنفاسه هدير السماء، وفي عيونه بروق المصابيح، وهو يهدد ويزمجر وكأنه يريد أن ينقضّ عليهما.. تصوروا هذه الحالة ثم قَدِّرُوا مدى الخوف والهلع الذي يعتريهما، وكيف أنهما يفرّان من القطار مع ما يملكانه من جرأة وشجاعة نادرة. وتصوّروا كيف أن حريتهما وجسارتهما تضمحلان أمام تهديد دابة الأرض هذه حتى لا يجدان بداً منها إلّا الفرار.. كل ذلك لأنهما لا يعتقدان بوجود قائد يقود ذلك القطار، ولا يؤمنان بوجود نظام يسير على وفقه، بل لا يظنان أنها دابّة مطيعة منقادة ليس إلّا، وإنما يتخيلانها أسداً هصوراً ووحشاً كاسراً جسيماً تنتظم وراءه أُسود كثيرة ووحوش عديدة.
يا إخوتي! ويا زملائي الذين يسمعون هذا الكلام بعد خمسين عاماً!
إن الذي منح هذا الصبي تلك الجسارة والحرية أكثر من ذينك البطلين ووهب له اطمئناناً وسكينة يفوقهما بكثير هو: أن في قلب ذلك الصبي نواة حقيقة، وهي: إيمانه واطمئنانه بأن ذلك القطار يسير على وفق نظام، واعتقادُه بأن زمامه بيدِ قائدٍ يقوده بأمره ولأجله.
وأما الذي أرهبَ ذينك البطلين المشهورين وأسر وجدانهما، فهو عدم معرفتهما بقائد ذلك القطار وعدم اعتقادهما بنظامه، أي جهلهما بالعقيدة وخلوهما منها.
فمثل هذه البطولة النابعة من إيمان ذلك الصبي الوديع قد ترسّخت طوال ألف سنة في قلوب عشائرَ من طوائف الإسلام (وهم الترك ومن تشبّهوا بهم) عقيدةً وإيماناً، فوهبهم ذلك الإيمانُ بطولة فائقة استطاعوا بها أن يغزوا دولاً تفوقهم مئة ضعف وأن يَثْبُتوا أمامها، فنشروا كمالاتِ الإسلام في أرجاء العالم.. في آسيا وإفريقيا ونصف أوروبا، واستقبلوا الموت بسرور بالغ قائلين: «إن قُتِلتُ فأنا شهيد، وإن قَتَلتُ عدواً فأنا مجاهد». بل ثَبَتوا -بالإيمان- أمام كل ما اتخذ موقفَ عداءٍ تجاه استعدادات الإنسان وقواه ابتداءً من الميكروبات إلى المذنبات التي في السماء، وكأن كلاً منها قطار رهيب، فلم يكترثوا بتهديداتها. وإنما حازت جميع قبائل الإسلام وفي مقدمتها طوائف الترك والعرب نوعاً من السعادة الدنيوية بتسليمهم الأمر إلى الله والرضى بقَضائه وقدره ورؤية الحكمة وتلقي دروس العبرة من الحوادث بدلاً من الرهبة والهلع منها.
يا إخوتي! ويا زملائي الذين يسمعون هذا الكلام بعد خمسين عاماً!
إن الذي منح هذا الصبي تلك الجسارة والحرية أكثر من ذينك البطلين ووهب له اطمئناناً وسكينة يفوقهما بكثير هو: أن في قلب ذلك الصبي نواة حقيقة، وهي: إيمانه واطمئنانه بأن ذلك القطار يسير على وفق نظام، واعتقادُه بأن زمامه بيدِ قائدٍ يقوده بأمره ولأجله.
وأما الذي أرهبَ ذينك البطلين المشهورين وأسر وجدانهما، فهو عدم معرفتهما بقائد ذلك القطار وعدم اعتقادهما بنظامه، أي جهلهما بالعقيدة وخلوهما منها.
فمثل هذه البطولة النابعة من إيمان ذلك الصبي الوديع قد ترسّخت طوال ألف سنة في قلوب عشائرَ من طوائف الإسلام (وهم الترك ومن تشبّهوا بهم) عقيدةً وإيماناً، فوهبهم ذلك الإيمانُ بطولة فائقة استطاعوا بها أن يغزوا دولاً تفوقهم مئة ضعف وأن يَثْبُتوا أمامها، فنشروا كمالاتِ الإسلام في أرجاء العالم.. في آسيا وإفريقيا ونصف أوروبا، واستقبلوا الموت بسرور بالغ قائلين: «إن قُتِلتُ فأنا شهيد، وإن قَتَلتُ عدواً فأنا مجاهد». بل ثَبَتوا -بالإيمان- أمام كل ما اتخذ موقفَ عداءٍ تجاه استعدادات الإنسان وقواه ابتداءً من الميكروبات إلى المذنبات التي في السماء، وكأن كلاً منها قطار رهيب، فلم يكترثوا بتهديداتها. وإنما حازت جميع قبائل الإسلام وفي مقدمتها طوائف الترك والعرب نوعاً من السعادة الدنيوية بتسليمهم الأمر إلى الله والرضى بقَضائه وقدره ورؤية الحكمة وتلقي دروس العبرة من الحوادث بدلاً من الرهبة والهلع منها.
Yükleniyor...