إن غرور الإنسان وحبّه لنفسه قد يقودانه أحياناً إلى عداء إخوانه المؤمنين ظلماً ومن دون شعور منه فيظن المرء نفسه محقاً. مع أن مثل هذه العداوة تُعدّ استخفافاً بالوشائج والأسباب التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض -كالإيمان والإسلام والإنسانية- وحطاً من شأنها. وهي أشبه ما يكون بحماقةِ من يرجّح أسباباً تافهة للعداوة كالحصيات على أسباب بجسامة الجبال الراسيات للودّ والمحبة.

فما دامت المحبة مضادة للعداوة ومنافية لها فلا تجتمعان قطعاً كما لا تجتمع الظُّلمة والنور. فالذي تتغلب أسبابُه على الآخر هو الذي يجد موضعه في القلب بحقيقته، أما ضده فلا يكون بحقيقته.

فمثلاً: إذا وُجدت المحبةُ بحقيقتها في القلب فإن العداوة تنقلب حينئذ إلى الرأفة والشفقة، فهذا هو الوضع تجاه أهل الإيمان. أما إذا وجدت العداوة بحقيقتها في القلب، فإن المحبة تنقلب عندها إلى المداراة والمماشاة والصداقة الظاهرية. فهذا إنما يكون مع أرباب الضلال غير المتجاوزين.

أجل، إن أسباب المحبة هي الإيمان والإسلام والإنسانية وأمثالها من السلاسل النورانية المتينة والحصون المعنوية المنيعة؛ أما أسباب العداوة والبغضاء تجاه المؤمن فإنما هي أمور خاصة تافهة تفاهة الحصيات. لذا فإن إضمار العداء لمسلم إضماراً حقيقياً، إنما هو خطأ جسيم لأنه استخفاف بأسباب المحبة التي هي أشبه بالجبال.

نحصل مما سبق:

أن الود والمحبة والأخوة هي من طباع الإسلام وروابطه. والذي يحمل في قلبه العداء فهو أشبه ما يكون بطفل فاسد المزاج يروم البكاء بأدنى مبرر للبكاء، وقد يكون ما هو أصغرُ من جناح ذبابة كافياً لدفعه إلى البكاء، أو هو أشبه ما يكون برجل متشائم لا يحسن الظن بشيء ما دام سوء الظن ممكناً، فيحجب عشر حسناتٍ للمرء بسيئة واحدة. ومن المعلوم أن هذا منافٍ كلياً للخُلُق الإسلامي القاضي بالإنصاف وحسن الظن.

Yükleniyor...