في سيل الزمان، أريد أن أقيم سداً حديدياً بين الماضي والحاضر وذلك بإيضاح تاريخ حياة الحرية، وهو كالآتي:

إن هذا الانقلاب لو أعطى الحريةَ -التي أنجبها- أحضان الشورى الشرعية لتربيها فستُبعث أمجاد الماضي لهذه الأمة قوية حاكمةً؛ بينما لو صادفت تلك الحريةُ الأغراضَ الشخصية، فستنقلب إلى استبداد مطلق، فتموت تلك المولودة في مهدها.

لقد وُلِدت الحرية في الوقت المناسب، فتحتاج تنشئتها إلى ظروف وأحوال فطرية وليست إلى افتعالِ ظروف تحتاج إلى مشاق.

إن الحمية الإسلامية التي عانت سابقاً كثيراً من الضوائق والبؤس، وهي ليست مستحقة لها، قد فارت فوراناً عظيماً بحيث اكتملت الحرية في ذلك الرحم. فحالما يحين وقت الولادة وتظهر إلى الوجود ستعلن هيمنتها، فلا يتمكن أيّ شيء من التصدي لها وزلزلتِها، حيث إنها ستتأسس على أسس رصينة -كعرش بلقيس- على حقائق خمس تلك هي:

الحقيقة الأولى:

أن في الكل من القوة ما ليس لكلٍ، كقوة الحبل المتين الناشئة من خيوط رفعية دقيقة، أو كحكومتنا الحديثة المتبنية لأفكار الرأي العام وحكومتنا السابقة.

أيتها الأمة! نحن الآن ذلك الحبل المتين، فمن أضعفها بالأغراض الشخصية والآراء الفردية فقد جنى جناية لا تغتفر، حيث جنى على حقوق الأمة جميعاً.

الحقيقة الثانية:

أن السلطة المستندة إلى القوة والإكراه كانت هي الحاكمة في سالف الأزمان وهي محكومة بالتدني والانقراض، حيث إنها حصيلة الجهل والوحشية. فأية دولة جرت في عروقها دماءُ السلطة المستبدة فإن سطور صحائفِ تاريخِها تنعق نعيق البوم بالانقراض.

بينما في زمن المدنية فإن العلم والمعرفة هما السلطة الحاكمة على العالم، وحيث إن مولّدها هي المدنية ومن شأنها الزيادة وعمرها أبدي، لذا لو كانت مثل هذه السلطة الحاكمة مدبّرة


Yükleniyor...