الصناعة والمعرفة والاتفاق، وسنتعاون ونتصادق يداً بيد مع الأتراك وهم إخواننا الحقيقيون الذين كانوا السبب -من جهة- لإيقاظنا من غفلتنا ودفعنا إلى سبيل الرقي.

نعم، نتعاون معهم ومع جميع من يجاورنا، لأن الخصام والعداء فساد أي فساد. فلا نملك وقتاً للخصام.

ونحن لا نتدخل بشؤون الحكومة، حيث إننا لا ندرك حكمتها.

ولقد كانت لهذه النصيحة جدوىً وأثرٌ في أولئك الحمالين الذين قاطعوا العمل في إنزال البضائع النمساوية -مثلما أقاطع البضائع الأوروبية قاطبة- حيث تصرفوا تصرفاً يتسم بالعقلانية وبعيداً عن التهور.

وحيث إنني كنت السبب في تقويم ارتباطهم بالسلطان وتسويتها وفتح حرب اقتصادية مع النمسا فقد ارتكبتُ إذن جناية حتى وقعتُ في هذه المصيبة!

الجناية الرابعة: إن أوروبا تظن الشريعة هي التي تمدّ الاستبداد بالقوة وتعينه. حاش وكلا.. إن الجهل والتعصب المتفشيين فينا قد ساعدا أوروبا لتحمِلَ ظناً خاطئاً من أن الشريعة تعين الاستبداد. لذا تألمت كثيراً من أعماق قلبي على ظنهم السيئ هذا بالشريعة، فكما أنني أكذّب ظنَّهم فقد رحّبتُ بالمشروطية باسم الشريعة قبل أي شخص. ولكني خشيت من أن يقوم استبداد آخر لتصديق هذا الظن، لذا صرخت من أعماقي، وبكل ما أوتيت من قوة في خطاب أمام المبعوثين.. في جامع أياصوفيا وقلت:

افهموا المشروطية في ضوء المشروعية وتلقَّوْها على أساسها، ولقِّنوها الآخرين على هذه الصورة، كي لا تلوثها اليدُ القذرة لاستبدادٍ جديد متستر وملحد باتخاذ ذلك الشيء الطيب المبارك تُرساً لأغراضه الشخصية. قيِّدوا الحرية بآداب الشرع لأن عوام الناس والجاهلين يصبحون سفهاء وعصاة وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أن ظلوا أحراراً سائبين بلا قيد و شرط. ولتكن قبلتكم في صلاة العدالة على المذاهب الأربعة كي تصحّ صلاتكم، لأنني قد أعلنت دعوىً: أنه يمكن استخراج حقائق المشروطية صراحة وضمناً وإذناً من بين المذاهب الأربعة.

وحيث إني قد أخذت على عاتقي -وأنا طالب شريعة- ما يفرض على العلماء جملةً من الوظائف والواجبات فقد اقترفت إذن جنايةً.. ولهذا تلقيت مثل هذا العقاب!

Yükleniyor...