خاتمة:

كما لا يكفي مجرد دخول غير المسلم المسجدَ لاعتناقه الإسلام، كذلك دخول مسألة من مسائل الفلسفة أو الجغرافية أو التاريخ وأمثالِها في كتب التفسير أو الفقه، لا يجعل تلك المسألة من التفسير أو الشريعة قطعاً.

ثم إن حُكمَ مفسِّر أو فقيه -بشرط التخصص- يُعدّ حجة في التفسير فقط أو في الفقه فحسب. وإلاّ فهو ليس بحجة في الأمور التي دخلت خِلسةً في كتب التفسير أو الفقه، لأنه يمكن أن يكون دخيلاً في تلك الأمور. ولا عتابَ على الناقل. ومن كان حجةً في علم وناقلاً في علوم أخرى، فاتخاذ قوله فيها حجة أو التمسك بقوله فيها من قبيل الدعوى ما هو إلّا إعراضٌ عن القانون الإلهي المستند إلى تقسيم المحاسن وتوزيع المساعي.

ثم إنه مسلَّم منطقياً: أن الحكم يقتضي تصور «الموضوع» و«المحمول» (11) بوجهٍ ما فقط، أما سائر التفاصيل والشروح فليس من ذلك العلم، وإنما من مسائل علم آخر.

ومن المقرر أنه: لا يدل «العام» على «الخاص» بأيٍّ من الدلالات الثلاث الخاصة. (12)

فمثلاً: إن أعظم مجافاة للمنطق النظرُ إلى تأويل الآية الكريمة ﹛﴿ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾|﹜ (الكهف:٩٦) في تفسير البيضاوي، نظرةً جازمة أنه: بين جبال أرمينيا وأذربيجان. إذ هو -أساساً- ناقل. فضلاً عن أن تعيينَه ليس مدلولَ القرآن، فلا يعدّ من التفسير. لأن ذلك التأويل تشريحٌ مستند إلى علم آخر لقيد واحد من قيود الآية الكريمة. وكذلك ظلمٌ وإجحاف بحق ذلك المفسر الجليل وبرسوخ قدمه في العلم في تفسيره المذكور اتخاذُ أمثال هذه النقاط الضعيفة فيه ذريعةً لبث الشبهات حوله. فحقائق التفسير الأصلية والشريعة واضحة جلية، وهي تتلألأ كالنجوم. فما الذي يدفع عاجزاً مثلي على الجرأة غيرَ ما في تلك الحقائق من وضوح وقوة.

فادّعي وأقول: إذا دُقق النظر في كل حقيقة من الحقائق الأساسية في التفسير والفقه،

Yükleniyor...