قلت: إن خطوط الأفكار عندنا بدلاً من أن تتقارب للتلاقي تنحرف مبتعدة الواحدة عن الأخرى كلما امتدت . لذا لا نجد نقطة التلاقي، لا في الوطن، ولا في الكرة الأرضية. فالأفكار أشبه ما تكون بالوجود والعدم لا يجتمعان، حيث إن وجود أحدهما يقتضي عدم الآخر.

إن العناد يلزم أحياناً المغالين في التعصب الضلال والباطل، حتى إذا ساعد الشيطان أحدهم قال له: «إنه -أي الشيطان- مَلك» ويترحم عليه، بينما إذا رأى ملَكاً في صفِّ مَن يخالفه في الرأي، قال: «إنه شيطان قد بدل ملابسه»، فيبدأ بمعاداته ويلعنه. ويرى الأمارة الواهية برهاناً بظنه الحسن، بينما يرى البرهان أمارة واهية بسوء الظن، كمن ينظر في المنظار أحد طرفيه الذي يقرّب والآخر يبعّد الشيء. وهذا ظلم فاضح يبيّن الحكمة في الآية الكريمة: ﹛﴿ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾|﹜ (إبراهيم:٣٤) وذلك لأن قواه وميوله لم تتحدد فطرةً بخلاف الحيوان، فميله -أي الإنسان- نحو الظلم لا يحد ولا سيما إذا انضمت إلى ذلك الميل الأشكال الخبيثة للأنانية كالإعجاب بالنفس وتحري المصلحة الشخصية والكبر والعناد والغرور، تتولد جرائم بشعة لم تجد البشرية لها اسماً، ولا جزاء لها إلّا نار جهنم، مثلما هي دليل على ضرورة وجودها.

فمثلاً: إذا استاء من صفةٍ جانية لشخص، فإنه يشمل ظلمه إلى جميع صفاته البريئة أيضاً بل إلى أحبته بل إلى من في مسلكه، فيكون متمرداً أمام الآية الكريمة

﹛﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرٰى ﴾|﹜ (الأنعام:١٦٤).


ومثلاً: قد قال أحد الحريصين بدافع الانتقام: سيُغلب الإسلام، وسيتمزق قلبه. فلأجل أن يظهر صدق كلامه المشؤوم النابع من روح سقيمة وفكر كاذب، يتمنى أن يُهان المسلمون ويُصفِّق له ويتلذذ من ضربات العدو. فهذا التصفيق والترحيب واللذة جعلت الإسلام في موضع مجروح.

حيث العدو الذي غرز خنجره في قلب الإسلام لا يكتفي بسكوتنا عليه بل يقول: رحِّب بي، تلذَّذْ من أعمالي، وكنّ لي حِباً...

Yükleniyor...