٣- أو شد أنظار جمهور الناس دوما إلى مستوى أعلى من تلك الكتب -التي أصبحت حجابا- أي شدها باستمرار إلى القرآن الكريم وإظهاره فوقها دائما، مثلما يفعله أئمة الصوفية، وعندها تؤخذ الأحكام الشرعية والضروريات الدينية من منبعها الأساس وهو القرآن الكريم، أما الأمور الاجتهادية التي تَرِد بالواسطة فيمكن مراجعتها من مظانها.

ولا يخفى أن ما يستشعره المرء من جاذبية في كلام الصوفي الحق ومن طلاوة في حديثه غيرُ ما يستشعره في وعظِ عالم في الفقه. فالفرق في هذا نابع من ذلك السر.

ثم إنه من الأمور المقررة، أن ما يوليه عامة الناس من تقدير لشيء وتثمينهم له ليس نابعاً -على الأغلب- مما فيه من كمال، بل مما يشعرون نحوه من حاجة وبما يحسون تجاهه من رغبة؛ فالساعاتي الذي يأخذ أجرةً أكثرَ من عالم جليل مثالٌ يؤيد هذا.

فلو وُجِّهَتْ حاجاتُ المسلمين الدينية كافة شطرَ القرآن الكريم مباشرة، لنال ذلك الكتابُ المبين من الرغبة والتوجه -الناشئةِ من الحاجة إليه- أضعافَ أضعافِ ما هو مشتَّت الآن من الرغبات نحو الألوف من الكتب، بل لكان القرآن الكريم مهيمنا هيمنة واضحة على النفوس، ولكانت أوامرُه الجليلة مطبَّقة منفَّذة كليا، ولَمَا كان يظل كتابا مباركا يُتَبَرك بتلاوته فحسب.

هذا وإن هناك خطراً عظيماً في مزج الضروريات الدينية مع المسائل الجزئية الفرعية الخلافية، وجَعْلها كأنها تابعة لها، لأن الذي يرى الآخرين على خطأ -ونفسه على صواب- يدعي: أن مذهبي حق يحتمل الخطأَ والمذهب المخالف خطأ يحتمل الصوابَ!

وحيث إن جمهور الناس يعجزون عن أن يميزوا تمييزاً واضحا بين الضروريات الدينية والأمور النظرية الممتزجة معها، تراهم يعممون -سهواً أو وهماً- الخطأ الذي يرونه في الأمور الاجتهادية على الأحكام كلها، ومن هنا تتبين جسامة الخطر.

والذي أراه أن من يخطّئ الآخرين -ويرى نفسه في صواب دائما- مصاب بمرضِ ضِيق الفكر وانحصارِ الذهن الناشئَين من حب النفس. ولاشك أنه مسؤول أمام رب العالمين عن تغافله عن شمولِ خطاب القرآن إلى البشرية كافة.

Yükleniyor...