أحدهما: جهة المُلك وهي كالوجه المطلي الملوَّن من المرآة.

والأخرى هي جهة الملكوت وهي كالوجه الصقيل للمرآة.

فجهة الملك، هي مجالُ وميدانُ تجوّلِ الأضداد، ومحلُّ ورودِ أمور الحُسن والقُبح والخير والشر والصغير والكبير والصعب والسهل وأمثالها.. لذا وضعَ الخالق الحكيم الأسبابَ الظاهرة ستاراً لتصرفاتِ قدرته، لئلا تَظهر مباشرةُ يد القدرة الحكيمة بالذات على الأمور الجزئية التي تَظهر للعقول القاصرة التي ترى الظاهر، كأنها خسيسة غير لائقة، إذ العظمة والعزّة تتطلب هكذا.. إلّا أنه سبحانه لم يعط التأثير الحقيقي لتلك الأسباب والوسائط؛ إذ وحدة الأحدية تقتضي هكذا أيضاً.

أما جهة الملكوت، فهي شفافة صافية نزيهة في كل شيء، فلا تختلط معها ألوانُ ومزخرفات التشخصات... هذه الجهة متوجهة إلى بارئها دون وساطة، فليس فيها ترتب الأسباب والمسبّبات ولا تسلسلُ العلل، ولا تدخل فيها العليّةُ والمعلولية ولا تتداخل الموانع، فالذرة فيها تكون شقيقةَ الشمسِ.

إن القدرة هي مجردة، أي ليست مؤلفة ومركبة، وهي مطلقة غير محدودة، وهي ذاتية أيضاً. أما محل تعلقها بالأشياء فهي دون وساطة، صافيةٌ دون تعكر، ودون ستار ودون تأخير، لذا لا يَستكبر أمامها الكبيرُ على الصغير، ولا تُرجَّح الجماعةُ على الفرد ولا يتبجّح الكل أمام الجزء ضمن تلك القدرة.

المسألة الثالثة: نسبة القدرة قانونية..

﹛﴿ وَلِلّٰهِ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى ﴾|﹜ (النحل:٦٠) ﹛﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه۪ شَيْءٌ ﴾|﹜ (الشورى:١١)


فهذه المسألة الغامضة سنقرّبها إلى الذهن ببعض الأمثلة؛ حيث التمثيل يقرب التصوير إلى الأذهان.

المثال الأول: «الشفافية»

إن تجلّي ضوء الشمس يُظهر الهويةَ نفسَها على سطح البحر أو على كل قطرة من البحر، فإذا كانت الكرة الأرضية مركّبة من قِطَع زجاجية صغيرة شفافة مختلفة تقابل الشمس دون

Yükleniyor...