يجريها.. ثم لإدامة حاكمية ذلك المقنن في الظاهر والباطن يحتاج إلى امتياز وتفوق -مادة ومعنىً- ويحتاج أيضاً إلى دليل على قوة المناسبة بينه وبين مالك الملك صاحب العالم.. ثم لتأسيس إطاعة الأوامر وتأمين اجتناب النواهي يحتاج إلى إدامةِ تصوّرِ عظمةِ الصانع وصاحبِ الملك في الأذهان.. ثم لإدامة التصور ورسوخ العقائد يحتاج إلى مذكِّر مكرِّر وعمل متجدد، وما المذكِّر المكرِّر إلّا العبادة... وهذه العبادة تُوجِّه الأفكارَ إلى الصانع الحكيم، وهذا التوجه يؤسس الانقياد، والانقيادُ هو للإيصال إلى النظام الأكمل والارتباط به، وهذا النظامُ الأكمل يتولد من سر الحكمة، وسر الحكمة يشهد عليها إتقان الصنع وعدم العبثية.

فإذا علمت هذه الجهات الثلاث من تمايز الإنسان عن سائر الحيوانات أنتج لك بالضرورة: أن النبوة المطلقة في نوع البشر قطبٌ بل مركزٌ ومحور تدور عليه أحوال البشر وذلك كالآتي:

دقق النظر في الجهة الأولى:

إنه لما لم يكفِ ميلُ الإنسان الطبيعي وسَوقُ إنسانيته، وقَصرُ نظره، واختلاطُ الأوهام في طريق عقله.. احتاج البشر أشد الحاجة إلى مرشد ومعلم.. فذلك المرشد هو النبي ﷺ.

ثم تدبر في الجهة الثانية:

إن اللاتناهية المغروزةَ في الإنسان، وميلَه إلى التجاوز في طبيعته، وعدمَ تحدد قواه، وعدمَ انضباط آماله... هذه اللاتناهية في الميول والآمال لا يسعها قانونُ البشر الذي لا ينطبق على قامة استعداده النامية كثمرة لميله إلى الترقي الذي هو غصنٌ من شجرة ميلِ الاستكمال في العالم.

فعدمُ كفاية هذا القانون البشرى الحاصل نتيجة تلاحق الأفكار والتجارب التدريجية، لإنماء بذور ثمرة استعدادات الإنسان، جعل الإنسان يحتاج إلى شريعة إلهية حية خالدة تحقّق له سعادة الدارين معاً مادةً ومعنىً، وتتوسع حسب قامة استعداداته ونموها...فالذي أتي بالشريعة هو النبي ﷺ.

Yükleniyor...