إشارة: إذا أُخذت آثارُ أحد من الناس بنظر الاعتبار في محاكمة عقلية، يجب أخذ خاصته أيضاً. ولكن لأنه لم تؤخذ هذه القاعدة في هذه المسالة، فقد نُظر إليها من خلال عجز العبد تحت ستار القياس التمثيلي لقدرة الممكنات. بينما نرى في تكوين العالَم أن الله سبحانه وتعالى يخلق قسماً من الممكنات بالإبداع -أي بدون مادة- وقسماً آخر بالاختراع - أي ينشئُه من المادة - وهكذا بث في الوجود هذه الآثارَ المعجزة الباهرة، وأظَهَرَ قدرتَه المطلقة بجلاء.

فالإنسان إذا صرف نظرَه عن هذا، ورأى الغائب بصورة الشاهد بقياس خادع أو وَضَع أبناء جنسه في المحاكمة العقلية، أي لو نظر إلى واجب الوجود من هذه الزاوية المحددة، تَوَهم أن كثيراً من الأمور المعقولة التي يستصوبها العقل السليم غير معقولة.

فلو صرفنا النظر عن المخترعات، فإن القوانين العجيبة للضوء -وهو نور عين العالم وأنور المصنوعات- ونواميسَه البديعة المصغرة في بصر الإنسان في ترسيماتها على شبكيته التي أعيَا العقولَ حلُّها.. أقول: إذا قيست هذه التي تُعدّ بعيدة عن العقل بكمال القدرة الإلهية لرآها الإنسان مأنوسة مألوفة وبين أهداب عين العقل وبصره.

وكما أن النظريات تُستنتج من الضروريات، كذلك ضروريات آثار الله وصنعته دليل -وأيّ دليل- على مخفيات صنعته. وكلاهما معاً يثبت هذه المسألة.

فهل يمكن أن يَتصور العقلُ أدقَّ وأعجبَ وأغربَ من صنعة الله في نظام العالم، وأبعدَ من جنس الممكنات وقدرتها؟ لاشك لا يَتصور، لأن الحِكَم والفوائد التي بينتها العلومُ تشهد بالضرورة على قصدِ الصانع وصنعتِه وحكمته، حتى اضطرت العقولُ إلى قبولها. وإلّا فالعقل بمفرده لا يقبل أصغر حقيقة من هذه البديهيات.

نعم، إن الذي حمل الأرضَ ورفعَ السماوات بغير عمَد وسخّر الأجرام وأدخلَ الموجودات تحت نظام فلا يعصونه في أمره. كيف يُستغرب منه أن يحمل ما هو أخف وأسهل بدرجات لا تقدّر.

نعم، إن الشك في قدرة من يرفع الجبل عن أن يرفع صخرة ليس إلّا سفسطة.

الحاصل: كما أن القرآن يفسر بعضُه بعضاً، كذلك سطورُ كتاب العالم يفسّر ما وراءه من إتقان وحكمة.


Yükleniyor...