الأمارات.. (28) وإنكار هذه الرحمة التي نراها في كل مكان.. وكذلك يلزم أن يعتبر صاحب ما نراه من الإجراءات الحكيمة والأفعال الكريمة، والآلاء الرحيمة «حاشَ لله ثم حاشَ لله» لاهيا لاعبا ظالما غدّارا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وما هذا إلاّ انقلاب الحقائق بأضدادها، وهو منتهى المحال، حتى السوفسطائيون الذين أنكروا وجود أنفسهم لم يدنوا إلى تصوّر هذا المحال بسهولة.

والخلاصة: أنه ليست هناك علاقة أو مناسبة بين ما يُشاهَد في شؤون العالم من تجمعات واسعة للحياة، وافتراقات سريعة للموت، وتكتلات ضخمة، وتشتتات سريعة، واحتفالات هائلة، وتجليات رائعة.. وبين ما هو معلوم لدينا من نتائج جزئية، وغايات تافهة مؤقتة، وفترة قصيرة تعود إلى الدنيا الفانية. لذا فالربط بينهما بعلاقة، أو إيجاد مناسبة، لا ينسجم مع عقل ولا يتوافق مع حكمة، إذ يشبه ذلك ربط حِكَم هائلة وغايات عظيمة كالجبل بحصاة صغيرة جدا، وربط غاية تافهة جزئية مؤقتة بحجم الحصاة بجبل عظيم!!.

أي إنّ عدم وجود هذه العلاقة بين هذه الموجودات وشؤونها وبين غاياتها التي تعود إلى الدنيا، يشهد شهادة قاطعة، ويدل دلالة واضحة على أن هذه الموجودات متوجهة إلى عالَم المعنى، حيث تعطي ثمارها اللطيفة اللائقة هناك، وأن أنظارها متطلعة إلى الأسماء الحسنى، وأن غاياتها ترنو إلى ذلك العالم. ومع أن بذورها مخبوءة تحت تراب الدنيا إلّا أن سنابلها تبرز في عالم المثال. فالإنسان -حسب استعداده- يَزرع ويُزرع هنا ويحصد هناك في الآخرة.

نعم، لو نظرتَ إلى وجوه الموجودات المتوجهة إلى الأسماء الحسنى وإلى عالم الآخرة لرأيت: أن لكل بذرة -وهي معجزة القدرة الإلهية- غاياتٍ كبيرةً كبرَ الشجرة. وأن لكل زهرة


Yükleniyor...