عديدة لم نتطرق إليها في بحثنا، فيُشاهَد من إجماع تلك المزايا نقش إعجازي بديع يراه حتى العميان.

النور الثالث

وهو أن القرآن الكريم لا يمكن أن يُقاس بأي كلام آخر، إذ إن منابعَ علو طبقة الكلام وقوتِه وحسنِه وجمالِه أربعة:

الأول: المتكلم. الثاني: المخاطَب. الثالث: المقصد. الرابع: المقام. وليس المقام وحده كما ضل فيه الأدباء. فلابد من أن تنظر في الكلام إلى: مَن قال؟ ولمن قال؟ ولِمَ قال؟ وفيمَ قال؟ فلا تقف عند الكلام وحدَه وتنظر إليه.

ولما كان الكلامُ يستمد قوتَه وجمالَه من هذه المنابع الأربعة، فبإنعام النظر في منابع القرآن تُدرك درجةَ بلاغته وحسنَها وسموَّها وعلوَّها.

نعم، إن الكلام يستمد القوة من المتكلم، فإذا كان الكلام أمرا ونهيا يتضمن إرادةَ المتكلم وقدرتَه حسب درجته، وعند ذاك يكون الكلام مؤثرا نافذا يسري سريان الكهرباء من دون إعاقة أو مقاومة. وتتضاعف قوةُ الكلام وعلوّه حسب تلك النسبة.

فمثلا: ﹛﴿ وَق۪يلَ يَٓا اَرْضُ ابْلَع۪ي مَٓاءَكِ وَيَا سَمَٓاءُ اَقْلِع۪ي ﴾|﹜ (هود:٤٤) و ﹛﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْاَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا اَوْ كَرْهًاۜ قَالَتَٓا اَتَيْنَا طَٓائِع۪ينَ ﴾|﹜ (فصلت:١١).

فانظر إلى قوة وعلوّ هذه الأوامر الحقيقية النافذة التي تتضمن القوة والإرادة. ثم انظرْ إلى كلام إنسان وأمره الجمادات الشبيه بهذيان المحموم: اسكني يا أرض وانشقي يا سماء وقومي أيتُها القيامة!

فهل يمكن مقايسة هذا الكلام مع الأمرين النافذين السابقين؟ ثم أين الأوامر الناشئة من فضول الإنسان والنابعة من رغباته والمتولدة من أمانيّه.. وأين الأوامر الصادرة ممن هو متصف بالآمرية الحقة يأمر وهو مهيمن على عمله؟! نعم، أين أمر أمير عظيم مُطاع نافذ الكلام يأمر جنوده بـ: «تقدَّم». وأين هذا الأمر إذا صدر من جندي بسيط لا يُبالى به؟ فهذان الأمران وإن كانا صورةً واحدة إلّا أن بينهما معنىً بونا شاسعا،كما بين القائد العام والجندي.

Yükleniyor...