في الطبيعة، ويجعل النفس المادية مزرعة لإنماء الاستعداد النفساني وترعرعه. بينما يجعل الروح خادمة، حتى تتيبس بذورها وحباتها، فيضع في سيماء الإنسان صورة الشيطان.

الهدى يمنح السعادة لحياة الإنسان في الدارين وينشر فيهما النور والضياء، ويدفع الإنسان إلى الرقي. أما الدهاء الأعور كالدجال، فيفهم الحياة أنها دار واحدة فحسب، لذا يدفع الإنسان ليكون عبد المادة، متهالكا على الدنيا حتى يجعله وحشا مفترسا.

نعم، إن الدهاء يعبد الطبيعة الصماء، ويطيع القوة العمياء. أما الهدى فإنه يعرف الصنعة المالكة للشعور، ويقدّر القدرة الحكيمة.

الدهاء يسدل على الأرض ستار الكفران.. والهدى ينثر عليها نور الشكر والامتنان.

ومن هذا السر: فالدهاء أعمى أصم.. والهدى سميع بصير.

إذ في نظر الدهاء: لا مالك للنعم المبثوثة على الأرض ولا مولى يرعاها، فيغتصبها دون شكران، إذ الاقتناص من الطبيعة يولد شعورا حيوانيا... أما في نظر الهدى فان النعم المبسوطة على الأرض هي ثمرات الرحمة الإلهية، وتحت كلٍ منها يد المحسن الكريم. مما يحض الإنسان على تقبيل تلك اليد بالشكر والتعظيم.

زد على ذلك: فمما لا ينبغي أن ننكر أن في المدنية محاسن كثيرة، إلّا أنها ليست من صنع هذا العصر، بل هي نتاج العالم وملك الجميع، إذ نشأت بتلاحق الأفكار وتلاقحها، وحث الشرائع السماوية -ولا سيما الشريعة المحمدية- وحاجة الفطرة البشرية. فهي بضاعة نشأت من الانقلاب الذي أحدثه الإسلام. لذا لا يتملكها أحد من الناس.

وهنا عاد رئيس المجلس فسأل قائلا: يا رجل هذا العصر! إن البلاء ينـزل دوما نتيجة الخيانة، وهو سبب الثواب. ولقد صفع القدر صفعته ونـزل القضاء بهذه الأمة. فبأيٍ من أعمالكم قد سمحتم للقضاء والقدر حتى أنـزل القضاء الإلهي بكم البلاء ومسّكم الضر؟ فإن سبب نـزول المصائب العامة هو خطأ الأكثرية من الناس.

قلت: إن ضلال البشرية وعنادها النمرودي وغرورها الفرعوني، تَضخَّم وانتفش حتى بلغ السماء ومسّ حكمة الخلق، وأنـزل من السماوات العلى ما يشبه الطوفان والطاعون والمصائب والبلايا.. تلك هي الحرب العالمية الحاضرة. إذ أنـزل الله سبحانه لطمة قوية على


Yükleniyor...