حبا وكرامةً يبدي محبتَه للسلطان وليس للتفاحة. علما أن في تلك التفاحة التي صارت مظهرا للتكرمة لذةً تفوق وتسمو على ألف تفاحة أخرى. فهذه اللذة هي الشكران بعينه، وهذه المحبة هي محبةٌ ذاتُ احترام وتوقيرٍ يليق بالسلطان.

وهكذا فإذا ما وجّه الإنسانُ محبتَه إلى النِعم والفواكه بالذات وتلذذ عن غفلةٍ بلذاتها المادية وحدَها، فتلك محبة نفسانية تعود إلى هوى النفس، وتلك اللذات زائلة مؤلمة. أما إذا كانت المحبةُ متوجهة إلى جهة التكرمة الربانية ونحوَ ألطاف رحمته سبحانه وثمرات إحسانه، مقدّرا درجات الإحسان واللطف ومتلذذا بها بشهية كاملة، فهي شكر معنوي، وهي لذة لا تورث ألما.

النكتة الثالثة:

إنّ المحبة المتوجهة إلى الأسماء الحسنى لها طبقات: فقد تتوجه بالمحبة إلى الأسماء الحسنى بمحبة الآثار الإلهية المبثوثة في الكون -كما بيناه سابقا- وقد تتوجه بالمحبة إلى الأسماء الحسنى لكونها عناوينَ كمالات إلهية سامية، وقد يكون الإنسان مشتاقا إلى الأسماء الحسنى لحاجته الماسة إليها، وذلك لجامعية ماهيته وعمومها وحاجاته غير المحدودة، أي يحب تلك الأسماء بدافع الحاجة إليها.

ولنوضح ذلك بمثال: تصور وأنت تستشعر عجزَك وحاجتَك الشديدة إلى مَن يساعدك ويعينك لإنقاذ مَن تحنّ عليهم وتشفق على أوضاعهم من الأقارب والفقراء، وحتى المخلوقات الضعيفة المحتاجة، إذا بأحدهم يبرز في الميدان، ويُحسن لأولئك ويتفضل عليهم ويسبغ عليهم نِعَمه بما تريده وترغبه.. فكم تطيب نفسُك وكم ترتاح إلى اسمه «المنعم» و«الكريم».. وكم تنبسط أساريرُك وتنشرح من هذين الاسمين، بل كم يأخذ ذلك الشخص من إعجابك وتقديرك، وكم تتوجه إليه بالحب بذينك الاسمَين والعنوانَين!.

ففي ضوء هذا المثال تدبّر في اسمين فقط من الأسماء الحسنى وهما: «الرحمن» و«الرحيم» تجد أن جميع المؤمنين من الآباء والأجداد السالفين وجميعَ الأحبة والأقارب والأصدقاء، هؤلاء الذين تحبهم وتحن إليهم وتشفق عليهم، يُنعَمون في الدنيا بأنواعٍ من النعم اللذيذة، ثم يُسعَدون في الآخرة بما لذّ وطاب من النعم، بل يزيدهم سبحانه وهو الرحمن الرحيم


Yükleniyor...