ثم إن حقيقة كل شيء تتوجّه إلى تجلي اسمٍ من الأسماء الإلهية الحسنى، ومرتبطة بها، وهي كالمرآة العاكسة لأنواره. فذلك الشيء مهما اتخذ من أوضاع جميلة، فالجمالُ يعود إلى شرف ذلك الاسم وسموّه؛ إذ يقتضيه ذلك الاسم. فسواء أعَلِم ذلك الشيءُ أم لم يعلم، فذلك الوضعُ الجميل مطلوب في نظر الحقيقة.

من هذه الحقيقة يظهر طرف من قانون عظيم هو: «قانون التحسين والجمال» .

ثم إن ما أعطاه الفاطرُ الحكيم من مقامٍ وكمالٍ، إلى شيء ما، بمقتضى دستور الكرم، لا يستردّه منه عند انقضاء مدة ذلك الشيء وانتهاء عمره، بل يُبقي ثمراتِه، ونتائجَه، وهويتَه المعنوية، ومعناه، وروحَه إن كان ذا روح. فمثلا : يُبقي سبحانه وتعالى معانيَ الكمالات التي ينالُها الإنسان وثمراتِها، حتى إن شكرَ المؤمن الشاكرِ وحمدَه على ما يأكله من فواكه زائلة، يعيدُها سبحانه إليه مرة أخرى على صورة فاكهةٍ مجسّمة طيبة من فواكه الجنة.

من هذه الحقيقة ينكشف طرف من قانون عظيم هو: «قانون الرحمة» .

ثم إن الخالق الحكيم سبحانه لا يسرف في شيء قط، ولا يعمل عبثا مطلقا، إذ يستعمل حتى الأنقاض المادية للمخلوقات الميتة -التي انتهت مهماتُها- في الخريف، في بناء مخلوقاتٍ جديدة في الربيع. لذا، فمن مقتضى الحكمة الإلهية، أدراجُ هذه الذرات الأرضية الجامدة، وغيرِ الشاعرة، والتي أنجزت وظائفَ جليلةً في الأرض في قسم من أبنية الآخرة التي هي حية وذاتُ شعور بكلِّ ما فيها، بأحجارِها وأشجارِها بدلالة الآية الكريمة: ﹛﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْاَرْضُ غَيْرَ الْاَرْضِ ﴾|﹜ (إبراهيم:٤٨) وبإشارة الآية الكريمة: ﹛﴿ وَاِنَّ الدَّارَ الْاٰخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُۢ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾|﹜ (العنكبوت:٦٤) ولأن تركَ ذراتِ الدنيا المتهدمة في الدنيا نفسِها، أو رميَها إلى العدم إسراف وعبث.

من هذه الحقيقة ينكشف طرف من قانون عظيم هو: «قانون الحكمة» .

ثم إن كثيرا جدا من آثار هذه الدنيا ومعنوياتِها وثمراتِها، ومنسوجاتِ أعمال المكلفين -كالجن والإنس- وصحائفِ أفعالهم، وأرواحهم، وأجسادهم، تُرسل إلى سوق الآخرة ومعرضها. فمن مقتضى العدل والحكمة أن تُرسل أيضا الذراتُ الأرضية التي رافقت تلك الثمرات والمعاني وخَدَمَتها مع أنقاض هذه الدنيا التي ستُدمّر، إلى العالم الأخروي وتستعمل


Yükleniyor...