بيد أن الأمور لم تبق على ذلك الوضع الندي والطراوة والجدّة، فتبدلت تدريجيا بمرور الزمن حتى غطَّت اللطائفُ في نوم عميق، وغفلت المشاعرُ والحواسُ وانصرفتْ عن الحقائق، ففقدتْ الأجيالُ اللاحقة شيئا فشيئا قدرتَهم على تذوق طراوة تلك الكلمات الطيبة والتلذذ بطعومها ونداوتها، فغدت لديهم كالثمار الفاقدة لطراواتها ونضارتها، حتى لكأنها جفّت ويبست ولم تعد تحمل لهم إلا نـزرا يسيرا من الطراوة، لا تُستخلص إلّا بعد إعمال الذهن والتفكر العميق، وبذلِ الجهد وصرف الطاقة. لذا فالصحابي الجليل الذي ينال مقاما وفضيلةً في أربعين دقيقة لا ينالُه غيرُه إلا في أربعين يوما، بل في أربعين سنة، وذلك بفضل الصحبة النبوية الشريفة.
السبب الثالث
لقد أثبتنا في كل من الكلمات «الثانية عشرة والرابعة والعشرين والخامسة والعشرين»: أنّ نسبةَ النبوة إلى الولاية كنسبة الشمس المشهودة بذاتِها إلى صورتها المثالية الظاهرة في المرايا، لذا فإن سموَّ منـزلة العاملين في دائرة النبوة وهم الصحابة الكرام الذين كانوا أقربَ النجوم إلى تلك الشمس الساطعة، وعلوَّ مرتبتهم على الأولياء الصالحين، هو بنسبة سموِّ دائرة النبوة وعلوِّها على دائرة الولاية، بل حتى لو كسب أحدُ الأولياء مرتبة الولاية الكبرى، وهي مرتبة ورثة الأنبياء والصديقين وولاية الصحابة، فإنه لا يبلغ مقامَ أولئك الصفوة المتقدمين في الصف الأول، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
Yükleniyor...