ولكي يتوضح ما للصحبة النبوية من تأثير خارق ونور عظيم، يكفي ملاحظة ما يأتي:

بينما أعرابي غليظُ القلب يئد بنتَه بيده، إذا به يكسب خلال حضوره مجلس الرسول ﷺ ومن صحبته ساعة من الزمان، رقةَ قلب وسعةَ صدر وشفافيةَ روح ما يجعله يتحاشى قتل نملة صغيرة... أو آخرُ يجهل شرائعَ الحضارة وعلومَها، يحضر مجلسَ الرسول الكريم ﷺ فيُصبح مُعلِّما لأرقى الأمم المتحضرة، كالهند والصين. ويحكُم بينهم بالقسطاس المستقيم، ويغدو لهم مثلا أعلى وقدوةً طيبة.

السبب الثاني

لقد أثبتنا في رسالة «الاجتهاد» أنّ الصحابة الكرام هم في قمة الكمال الإنساني، حيث إنّ التحول العظيم الذي أحدثه الإسلامُ في مجرى الحياة في ذلك الوقت، سواء في المجتمع أو في الفرد، قد أبرز جمالَ الخير والحق وأظهر نصاعتَهما الباهرة، وكشف عن خُبث الشر والباطل وبيّن سماجتَهما وقبحَهما، حتى انجلى كلّ من الحق والباطل والصدق والكذب بوضوح تام، يكاد المرءُ يلمسه لمس اليد، وانفرجت المسافةُ بين الخير والشر وبين الصدق والكذب، ما بين الإيمان والكفر، بل ما بين الجنة والنار.

لذا فالصحابة الكرام رضى الله عنهم الذين وُهبوا فِطَرا سليمة ومشاعرَ سامية، وهم التواقون لمعالي الأمور ومحاسن الأخلاق شدّوا أنظارهم إلى الذي تسنّم قمة أعلى عِلِّيي الكمال والداعي إلى الخير والصدق والحق، بل هو المثال الأكمل والنموذج الأتم، ذلكم الرسول الكريم حبيب رب العالمين محمد ﷺ، فبذلوا كل ما وهبهم الله سبحانه من قوة للانضواء تحت لوائه، بمقتضى سجيّتهم الطاهرة وجبلّتهم النقية، ولم يُر منهم أيُّ ميل كان إلى أباطيل مسيلمة الكذاب الذي هو مثال الكذب والشر والباطل والخرافات.

ولتوضيح الأمر نسوق هذا المثال: تُعرض أحيانا في سوق الحضارة البشرية ومعرض الحياة الاجتماعية أشياء لها من الآثار السيئة المرعبة والنتائج الشريرة الخبيثة ما للسمّ الزعاف للمجتمع. فكل من كانت له فطرة سليمة ينفر منها بشدة ويتجنبها ولا يقربُها.. وتُعرض كذلك أشياء أخرى وأمتعة معنوية في السوق نفسها، لها من النتائج الطيبة والآثار الحسنة ما

Yükleniyor...