مَن وضّح السبيل إلى مرضاة رب العالمين، فلبّى إرادته سبحانه في تعريف ما يريده من ذوي الشعور وما يرضاه لهم بوساطة مبعوث، بعدما عرّف نفسَه لهم بجميع مصنوعاته البديعة وحبَّبها إليهم بما أسبغ عليهم من نِعَمه الغالية.

وأنه هو كذلك –بالبداهة- أعظمُ من استوفى مهمةَ الرسالة بالقرآن الكريم وأدّاها أفضلَ أداء في أسمى مرتبة وأبلغِ صورةٍ وأحسنِ طرازٍ، فلبّى إرادة رب العالمين في صرفِ وجهِ هذا الإنسان من الكثرة إلى الوحدة ومن الفاني إلى الباقي، ذلك الإنسان الذي خلَقه سبحانه ثمرةً للعالم ووهبَ له من الاستعدادات ما يسعُ العالمَ كله وهيأه للعبودية الكلية وابتلاه بمشاعرَ متوجهةٍ إلى الكثرة والدنيا.

وحيث إنّ أشرفَ الموجودات هم ذوو الحياة، وأنبلَ الأحياء هم ذوو الشعور، وأكرمَ ذوي الشعور هم بنو آدم الحقيقيون الكاملون، لذا فالذي أدّى من بين بني الإنسان المكرم تلك الوظائف المذكورة آنفا وأعطى حقَّها من الأداء في أفضل صورةٍ وأعظمِ مرتبةٍ من مراتب الأداء، لا ريب أنه سيعرج -بالمعراج العظيم- فيكونُ قابَ قوسين أو أدنى، وسيطرق بابَ السعادة الأبدية وسيفتح خزائنَ الرحمة الواسعة، وسيرى حقائقَ الإيمان الغيبية رؤيةَ شهودٍ، ومن ذا يكون غير ذلكم النبي الكريم ﷺ؟

سابعا: يجد المتأمل في هذه المصنوعات المبثوثة في الكون أن فيها فعلَ التحسين في منتهى الجمال وفعلَ التزيين في منتهى الروعة، فبديهي أن مثل هذا التحسين والتزيين يدلان على وجود إرادةِ التحسين وقصدِ التزيين لدى صانع تلك المصنوعات. فتلك الإرادة الشديدة تدل بالضرورة على وجود رغبةٍ قويةٍ سامية، ومحبةٍ مقدسةٍ لدى ذلك الصانع نحو صنعته..

لذا فمن البديهي أن يكون أحبُّ مخلوق لدى الخالق الكريم الذي يحبّ مصنوعاته هو مَن يتصف بأجمعِ تلك الصفات، ومَن يُظهر في ذاته لطائفَ الصنعة إظهارا كاملا، ومن يعرفُها ويعرِّفُها، ومَن يحبِّب نفسَه ويستحسن -بإعجاب وتقدير- جمالَ المصنوعات الأخرى.

فمَن الذي جعل السماوات والأرض ترنّ بصدى «سبحان الله.. ما شاء الله.. الله أكبر» من أذكار الإعجاب والتسبيح والتكبير تجاه ما يرصّع المصنوعات من مزايا تُزيّنُها ومحاسنَ تجمِّلُها ولطائفَ وكمالات تنوّرها؟ ومَن الذي هزّ الكائنات بنغمات القرآن الكريم فانجذب

Yükleniyor...