ولما كانت هذه الحقيقة قد أثبتت إثباتا قاطعا في «الكلمة السادسة عشرة» نكتفي هنا بهذا القدر المختصر.

ويرد على البال أيضا أنك تقول من كل قلبك: إنني أنكر وجود السماوات ولا أؤمن بالملائكة، فكيف أصدّق سيرَ إنسان وتجواله في السماوات ومقابلته الملائكة؟

نعم، لا شك أن إراءة شيء وإفهامَ أمرٍ إلى مَن كان مثلك وقد أُسدلَت الغشاوةُ على بصره وانحدر عقلُه إلى عينه فلم يعُد يرى إلّا المادة، شيء صعب وعسير. ولكن لشدة نصاعةِ الحق ووضوحه يراه حتى العميان.

لذا نقول: إنه من المتفق عليه أن الفضاء العلوي مملوء بـ«الأثير». فالضوء والكهرباء والحرارة وأمثالُها من السيالات اللطيفة دليل على وجود مادة مالئة للفضاء.

فكما تدل الثمراتُ على شجرتها، والأزهارُ على روضتها، والسنابل على مزرعتها، والأسماك على بحرها بالبداهة، فهذه النجومُ أيضا تقتحم عيونَ العقول دالةً بالضرورة على وجود روضتِها ومَنشَئِها ومزرعتها وبحرها.

فما دام العالم العلوي مبنيا بأشكال متنوعة، كل منها يبين أحكاما مختلفة في أوضاع مختلفة، فإنّ منشأ تلك الأحكام، أي السماوات، مختلفة أيضا بعضُها عن بعض؛ إذ كما أن في الإنسان أنماطا من وجود معنوي، عدا الجسم المادي، كالعقل والقلب والروح والخيال والحافظة وغيرها، ففي العالم أيضا الذي هو على صورة إنسان أكبر، وفي الكائنات التي هي شجرةُ ثمرة الإنسان، عوالمُ أخرى سوى العالم الجسماني، فضلا عن أن لكل عالَمٍ من العوالم سماءه ابتداءً من عالم الأرض حتى عالم الجنة.

ونقول بمناسبة الملائكة: إن الأرض وهي من السيارات المتوسطة الحجم وصغيرة وكثيفة بالنسبة للنجوم، إن كانت مليئةً بما لا يعد ولا يحصى من أنماط الحياة والشعور، وهما أثمن شيء في الموجودات وأنورها، فكيف بالسماوات التي هي بحار واسعة تسبح فيها نجوم كأنها عمارات مزدانة وقصور شاهقة بالنسبة للأرض التي هي بيت مظلم صغير؟

إذن فالسماواتُ مساكنُ ذوي شعورٍ وذوي حياةٍ، وبأجناس متنوعة وبأعداد لا


Yükleniyor...