بلغة الحقيقة وبلسان الحكمة المودَعة فيهما: «إن كانت لك قدرة نافذة وإتقان بديع يجعلانك تنسج جميعَ هذه البُسط المفروشة والحُلل البهية التي تخلعُ على الأرض بعدد القرون والسنين ثم تنـزعها عنها بنظام تام وتنشرها على حبل الزمان الماضي، ومن بعد ذلك تخيط ما تُخلع عليها من حُلل زاهرة بنقوشها وتفصّل تصاميمَها في دائرة القَدر.. وكذا إن كنت مالكا ليَدٍ معنوية ذات قدرة وحكمة بحيث تمتد إلى كل شيءٍ ابتداءً من خلق الأرض إلى دمارها، بل من الأزل إلى الأبد، فتجدّد وتبدّل أفراد لُحمة بساطي هذا وسداه.. وكذا إن كنت تستطيع أن تقبض على زمام الأرض التي تلبسنا وتكتسي بنا وتتستر.. نعم، إن كنت هكذا فادّع الربوبية عليَّ.. وإلّا فاخرج مذموما مدحورا من الأرض. فليس لك مقام هنا؛ إذ فينا من تجليات الوحدانية وأختام الأحدية بحيث مَن لم يكن جميعُ الكائنات في قبضة تصرفه ولم يرَ جميع الأشياء بجميع شؤونِها دفعةً واحدة، ولم يستطع أن يعمل أمورا لا تُحد في آن واحد، ولم يكن حاضرا ورقيبا في كل مكان ومنـزّها عن المكان والزمان.. لا يتمكن أن يكون مالكا لنا أبدا، بل لا يمكن أن يتدخل في أمورنا مطلقا. أي مَن لم يكن مالكا لقدرةٍ مطلقة وحكمةٍ مطلقة وعلم مطلق، لا يمكن أن يتحكم فينا ويدَّعي المالكيةَ علينا».

وهكذا يذهب المدَّعي مخاطبا نفسَه: «لأذهبْ إلى الكرة الأرضية علَّني أستغفلُها وأجدُ فيها موضعا..» فتوجَّهَ إليها قائلا لها (6) باسم الأسباب وبلسان الطبيعة مرة أخرى: «إنّ دورانكِ هكذا دون قصد يشفُّ عن أنّك سائبة دون مالك. ولهذا يمكن أن تكوني طوعَ أمري!»

فردَّتْ عليه الأرضُ بصيحة كالصاعقة منكرةً دعواه بلسان الحق والحقيقة المضمَرة فيها: «لا تهذرْ أيها الأحمق الأبله!. كيف أكون هملا بلا مالك ومولى! فهل رأيت في ثوبي الذي ألبسُه خيطا واحدا فقط نشازا بغير حكمةٍ ومن دون إتقان! حتى تزعم أنّ حبلي على غاربي وأنني بلا مولى ولا مالك؟ انظر إلى حركاتي فحسب، ومنها حركتي السنوية (7) التي


Yükleniyor...