توسيط التمثيل والتقريب بالإجمال، ولا يستعدون في كل وقت لمعرفة مسائلَ لم يصل إليها بعدَ القرون الطويلة إلّا قليلٌ من الفلاسفة. فلهذا أكثرَ القرآنُ من التمثيل. ومن التمثيل بعضُ المتشابهات فإنها تمثيلات لحقائق غامضة إلهية. وأجملَ فيما كشفه الزمانُ بعد عصور وبعد حصولِ مقدماتٍ مرتَّبة.
النكتة الرابعة: اعلم أنه كما أن الساعة غير ثابتة بل متزلزلةٌ مضطربةُ الآلات، كذلك الدنيا التي هي ساعة كبرى أيضا متزلزلة. فبإدراج الزمان فيها صار «الليلُ والنهار» كمِيلَين يَعُدّان ثوانيها، و«السنةُ» إبرةً تَعدّ دقائقَها، و«العصر» كإبرة تعد ساعاتها. وبإدراج المكان فيها صار «الجو» -بسرعةِ تغيّرِه وتحوّله وتزلزُله- كمِيل الثواني، و«الأرضُ» -بتبدل وجهها نباتا وحيوانا، موتا وحياة- كميل الدقائق، وبتزلزل بطنها وتولُّد «جبالِها» كميل الساعات، و«السماء» -بتغيراتها بحركات أجرامها وظهور ذوي الأذناب، والكسوفات والشهابات- كالميل الذي يعدُّ الأيام.
فالدنيا المبنية على هذه الأركان السبعة -مع أنها واصفة لشؤونات الأسماء ولكتابة قلم القدرةِ والقَدَر- فانية هالكة متزلزلة راحلة كالماء السيال في الحقيقة، لكن تجمدت صورةً بالغفلة، وتكدرت بالطبيعة فصارت حجابا عن الآخرة. فالفلسفة السقيمة والمدنية السفيهة تزيدان جمودتها وكدورتها بالتدقيقات الفلسفية والمباحث الطبيعيّة. وأما القرآن فينفُش الدنيا كالعهن بآياته، ويشففها (15)ببيناته، ويذيبها بنيراته، ويمزّق أبديتها الموهومة بنَعَيَاته، ويفرّق الغفلة المولدة للطبيعة برعداته. فحقيقة الدنيا المتزلزلةِ تَقرأ بلسان حالها المذكورة آيةَ ﹛﴿ وَاِذَا قُرِئَ الْقُرْاٰنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَاَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾|﹜ (الأعراف:٢٠٤).
فلهذا أجمل القرآن فيما فصّلتْ فيه الفلسفةُ من ماهيات الأشياء وخواصها.. وفصّل فيما أجملتْ أو أهملت فيه من وظائفها في امتثال الأوامر التكوينيةِ، ودلالاتها على أسماء فاطرها وأفعاله وشؤونه.
الحاصل: أن القرآن يبحث عن معاني كتاب الكائنات ودلالاتها، أما الفلسفة فإنما تبحث عن نقوش الحروف ووضعياتها ومناسباتها. ولا تعرف أن الموجودات كلماتٌ تدل
النكتة الرابعة: اعلم أنه كما أن الساعة غير ثابتة بل متزلزلةٌ مضطربةُ الآلات، كذلك الدنيا التي هي ساعة كبرى أيضا متزلزلة. فبإدراج الزمان فيها صار «الليلُ والنهار» كمِيلَين يَعُدّان ثوانيها، و«السنةُ» إبرةً تَعدّ دقائقَها، و«العصر» كإبرة تعد ساعاتها. وبإدراج المكان فيها صار «الجو» -بسرعةِ تغيّرِه وتحوّله وتزلزُله- كمِيل الثواني، و«الأرضُ» -بتبدل وجهها نباتا وحيوانا، موتا وحياة- كميل الدقائق، وبتزلزل بطنها وتولُّد «جبالِها» كميل الساعات، و«السماء» -بتغيراتها بحركات أجرامها وظهور ذوي الأذناب، والكسوفات والشهابات- كالميل الذي يعدُّ الأيام.
فالدنيا المبنية على هذه الأركان السبعة -مع أنها واصفة لشؤونات الأسماء ولكتابة قلم القدرةِ والقَدَر- فانية هالكة متزلزلة راحلة كالماء السيال في الحقيقة، لكن تجمدت صورةً بالغفلة، وتكدرت بالطبيعة فصارت حجابا عن الآخرة. فالفلسفة السقيمة والمدنية السفيهة تزيدان جمودتها وكدورتها بالتدقيقات الفلسفية والمباحث الطبيعيّة. وأما القرآن فينفُش الدنيا كالعهن بآياته، ويشففها (15)ببيناته، ويذيبها بنيراته، ويمزّق أبديتها الموهومة بنَعَيَاته، ويفرّق الغفلة المولدة للطبيعة برعداته. فحقيقة الدنيا المتزلزلةِ تَقرأ بلسان حالها المذكورة آيةَ ﹛﴿ وَاِذَا قُرِئَ الْقُرْاٰنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَاَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾|﹜ (الأعراف:٢٠٤).
فلهذا أجمل القرآن فيما فصّلتْ فيه الفلسفةُ من ماهيات الأشياء وخواصها.. وفصّل فيما أجملتْ أو أهملت فيه من وظائفها في امتثال الأوامر التكوينيةِ، ودلالاتها على أسماء فاطرها وأفعاله وشؤونه.
الحاصل: أن القرآن يبحث عن معاني كتاب الكائنات ودلالاتها، أما الفلسفة فإنما تبحث عن نقوش الحروف ووضعياتها ومناسباتها. ولا تعرف أن الموجودات كلماتٌ تدل
Yükleniyor...