لخزائنِ لطائفِ المعاني. ثم انظر إلى مُطَنْطَناتِ كلماتِ الحكمة الفلسفية كيف أنها مع شَعْشَعَتها لا تفيدك كمالا علميا ولا ذوقا روحيا، ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية. بل إنما تفيدك حيرة مدهشة ودهشة موحشة. وتسقطك من سماء التوحيد المضيء في أودية الكثرة المظلمة. فاستمع بعض ما يقول الفلسفي في الشمس يقول:

«هي كتلة عظيمة من المائع الناري أعظم من أرضنا بمليون وثلاثمائة ألف مرة، تدور على نفسها في مستقرها، تطايرت منها شرارات وهي أرضنا وسيارات أخرى. فتدور هذه الأجرام العظيمة المختلفة في الجسامة، والقربِ من الشمس والبعدِ منها، بالجاذب العمومي حول الشمس في الفضاء الخالي. فإنْ خرج أحدها من مداره بالتصادف بحادثة سماوية كمرور النجم ذي الذنَب به لحصل هرْجٌ ومرْجٌ في المنظومة الشمسية، وفي الدنيا بدرجة تتدهش منه السماوات والأرض».

فانظر إلى نفسك ما أفادتك هذه المسألة؟.. فيا سبحان الله! كيف تَقلِب الضلالةُ شكلَ الحقيقة، وما «الشمس مع سياراتها، إلَّا مصنوعةٌ موظفةٌ ومخلوقةٌ مسخرةٌ بأمر فاطرها الحكيم وبقوة خالقها القدير. وما هي -مع عظمتها- إلّا قطرة متلمعة في وجه بحر السماء يتجلى شعاع من اسم «النور» عليها».

والفلاسفة لو أدرجوا في مسائلهم قبسا من القرآن فقالوا: «يفعل الله بهذه الأجرام المدهشة الجامدة وظائف في غاية الانتظام والحكمة، وهي في غاية الإطاعة لآمره»، لكان لِعِلْمِهِمْ معنىً، وإلّا بأن أسندوا إلى أنفسها وإلى الأسباب صاروا كما قال القرآن: ﹛﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَكَاَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَٓاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ اَوْ تَهْو۪ي بِهِ الرّ۪يحُ ف۪ي مَكَانٍ سَح۪يقٍ ﴾|﹜ (الحج:٣١) وقس على هذه المسألة سائر المسائل.

النكتة الثالثة: اعلم أن مقاصد القرآن الأساسيةَ وعناصرَه الأصلية أربعة: التوحيد، والرسالة، والحشر، والعدالة مع العبودية. فيصير سائر المسائل وسائل هذه المطالب. ومن القواعد: عدم التعمق في تفصيل الوسائل، لئلا ينتشر البحث بالاشتغال بما لا يعني فيفوتَ المقصد. فلهذا قد أَبهَم وقد أَهمَل وقد أجمل القرآنُ في بعض المسائل الكونية. وكذا إن الأكثر المطلق من مخاطبي القرآن عوامُّ، وهم لا يقتدرون على فهم الحقائق الغامضة الإلهية بدون

Yükleniyor...