النكتة الثانية: إنَّ القرآن يقول: ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ (نوح:١٦) و ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾ (يس:٣٨).
فإن قلت: لأي شيءٍ عبّر عن الشمس بالسراج، مع أنها عند الفن أعظم من أن تكون تابعةً للأرض، بل هي مركز الأرض مع السَّيَّاراتِ؟
قيل لك: إن في التعبير بالسراج تصويرَ العالم بصورةِ قصر؛ وتصويرَ الأشياء الموجودة فيه في صورة لوازماتِ ذلك القصر ومزيِّناته ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، وإحساسَ أنه قد أحضرتْها لضيوفه وخدامِه يدُ كريمٍ رحيم. وما الشمس إلّا مأمورٌ مسخّر وسراج منوَّر. ففي تعبير السراج إخطارُ رحمةِ الخالق في عظمة ربوبيته، وإفهامُ إحسانه في وسعة رحمته، وإحساسُ كرمه في حشمة سلطنته، وإعلان وحدانيته بإراءة أعظمِ ما يتوهمه المشركُ معبودا؛ أنه ما هو إلا سراج مسخَّر. إذ أين السراج المسخر الجامد وأين لياقة العبادة؟
وفي تعبير الجريان إخطارُ التصرفات المنتظَمة العجيبة في ما بين اختلاف الليل والنهار ودوران الصيف والشتاء.. وفي إخطارها إفهامُ عظمةِ قدرةِ الصانع في إنفراده في ربوبيته.
فمن نقطتَي الشمس والقمر يوجه الذهن إلى صحائف الليل والنهار، والصيف والشتاء، ومنها إلى سطور الحادثات المكتوبة في أجوافها. فتعبير الجريان عنوان لهذه المعاني، فيكفي ظاهر العنوان ولا تعلُّقَ للمقصد بحقيقته.
فانظر إلى كلمات القرآن مع كونها سهلةً بسيطةً معروفةً؛ كيف صارت أبوابا ومفاتيحَ
Yükleniyor...