فالكائنات والموجودات -بما فيها الإنسان- حروف خاوية حائرة تجوب كتاب العالم، فلا تقرُّ أو تجد لها مكانا فوق سطور هذا الكتاب الكبير ما لم تستمد معانيها من أسماء الله الحسنى، وما لم يمسها مدد من أمدادها، وينسكب فيها مِدَادٌ من مِدَادِ بحار القدرة.. فلا شيء موجود على الحقيقة ما لم يعطه الله شيئيته، ويمنحه كيانه، ويقدّر وجوده. فإذا وصل الإنسان إلى هذه النقطة من الإدراك، ولاسيما بعد عظيم المعاناة، فقد وصل إلى «التوحيد» الخالص، وتشرّب جوهر الإيمان والإسلام، وعرف جدوى الوجود ومعناه.
وهذا هو ما يرمي «المثنوي» ويهدف إلى تحقيقه في نفس صاحبه أولا، وفي نفس كل قارئ من بعده.
والتوحيد الخالص من شوائب الشك، والذي يشكل لبَّ الإيمان، وجوهر عقيدة الإسلام، هو في «المثنوي» ليس أمرا تقريريا، ولا معنىً تلقينيا، ولا عقيدة تقليدية، ولا كلاما محفوظا مرددا يردده المسلم بلسان جاف، وقلب بارد، ووعي ذاهل، كما هو مشاهَد اليوم لدى الكثير من المسلمين.. فلا غرو إذا ما عجزتْ «كلمةُ التوحيد» اليوم -وقد خالطها هذا القصور المعيب- أن تخرق أبواب الروح، وتلِج إلى أعماق الفؤاد، لتُطلق قوى المسلم، وتفجّر طاقات كيانه الروحي الذي أصابه الضمور وغدا عاجزا عن ممارسة أي نشاط يمكن أن يزيد في نموه،
Yükleniyor...