لوجه، وتُلقي باعتراضاتها حوله، لذا فإنّ النورسي كتب ما كتب بقصدِ ترويض هذه النفس الجموح الثائرة على كل فكر تقليدي، وبنية تبديد شكوكها، وقهر عنادها، وإقناعها بصحة أفكاره، ومصداقية قناعاته.

ومن هنا فليس غريبا أن يكتنف بعضَ أفكاره في «المثنوي» شيء من الغموض غير المقصود، لأنه لم يكن مقصودا من كتاباته سوى نفسه، فلربما كفاه السطر والسطران لتفهَم عنه نفسُه، وتعرف مراده، ولا تكفيه الصفحة والصفحتان ليفهم عنه القارئ بعض مراده. (2)

ومن حق القارئ الذي يقرأ هذا الكلام أن يسأل نفسه:

إذا كان مقصود النورسي فيما كتب في هذا الكتاب «نفْسَهُ» فما جدوى نشره، وإغراء الآخرين بقراءته؟ وهو لم يُكْتَبْ لهم أصلا، ولم يُصْنّف لأجلهم؟

وللجواب على هذا السؤال نقول:

إنَّ «النفس الإنسانية» هي واحدة في جوهرها، وواحدة في أسباب صحتها ومرضها، كالجسد تماما، فإذا كانت الأمراض التي يمكن أن تصيب جسد «زيد» هي نفسها التي يمكن أن تصيب جسد «عمرو» وأن ما يفيد «زيدا» من دواء يفيد «عمروا» أيضا، فكذلك فإن أمراض «النفس» هي واحدة لدى جميع البشر مع بعض الفروقات بين نفس ونفس. فالعلاج الذي استعمله النورسي لنفسه قد يفيد أي إنسان آخر يعاني ما كان يعانيه النورسي من نفسه، وهو يقول بهذا الصدد:

«ولا تخف من تمرد النفس، لأن نفسي الأمارة المتمردة المتجبرة انقادت، وذللت تحت سطوة ما في هذه الرسالة من الحقائق، بل شيطاني الرجيم أُفحم وانخنس.. كنْ مَنْ شئت، فلا نفسُك أطغى وأعصى من نفسي، ولا شيطانُك أغوى وأشقى من شيطاني». (3)

فضلَا عن التجارب الذاتية التي تخوضها النفوس العظيمة، هي رصيد جديد يضاف إلى رصيد الإنسانية ويثري معرفتها بشؤون الروح والوجدان، ويمنح أفرادها ما يفيد في اجتياز قلقهم الروحي بنجاح، وتخطي عواصف شكوكهم بسلام، وقد اعتاد البشر -منذ أقدم


Yükleniyor...