وخشية من وقوع «النفوس» فريسة هذا التورم البشع المخيف، وحرصا من «الإسلام» على أن تظل «نفس» المسلم صحيحة تستمتع بالسلامة والعافية، فقد حثّ القرآن على مجاهدة نزق النفس، وحذّر من تمردها وعصيانها لخالقها، واعتبر مجاهدتها واجبا إيمانيا لا يقل أهميةً عن واجب مجاهدة العدو، بل يزيد عليه، لأن العدو الذي يريد الشر بالبلاد والعباد بيّنٌ ظاهر للعيان بسلاحه وعدّته وعدده، نواجهه ونحن نرى ونسمع، فيجتمع عليه كياننا كله، وتتهافت عليه حواسُنا جميعا، وتتعاون على قهره طاقاتُنا بأسرها.
أما «النفس العاصية لله» فهي عدو خفي لا نراه ولا نحس بعداوته، لأنها تسري في وجودنا كله، وتجري منا مجرى الدم، ولا يجتمع عليه وجودنا كله لأنها جزء من هذا الوجود، فضلا عن أننا لا نعرف متى تهاجمنا؟ ومن أيّ ثغرة تتسلل إلى مقاتلنا؟ وأيّ سلاح رهيب من أسلحتها تجربه فينا؟ لذا يتعين علينا أن نبقى حذرين دائمي الحذر، متيقظين دائمي التيقظ، نرصد حركاتها، ونراقب مناوراتها، ونأخذ منها زمام المبادرة، فنلجمها قبل أن تجمح بنا، ونأخذ بخطامها قبل أن تهيج علينا وتلقي بنا تحت أقدام طغيانها فلا تفلتنا حتى تسحق منا الروح والقلب والعقل.
وقد عانى النورسي من نفسه الشيءَ الكثير؛ فهي نفس جموح، وعرة المراس، صعبة الترويض، عصيّة على الاقتناع، تأبى أن تسلس له القياد ما لم يأتها على الرأي الذي يراه بالدليل القاطع لكل شك، والبرهان المبدد لكل ريب. لذا فقد كان همّه الأعظم إقناعها بالرأي الذي
Yükleniyor...