اعلم أن ما يُتحدس ويُرى في كل مصنوع، بل في كل ذرة من التصرف المطلق، والقدرة المحيطة، والحكمةِ البصيرة -بجميع ما يتعلق بها وما يُنظَّم معها في سلك- برهانٌ باهر وآية بينة؛ على أن صانعَ كلِّ شيء واحدٌ لا شريك له، وليس لاقتداره توزيعٌ ولا انقسام ولا تجزؤ اللازمةُ للانتهاء، إذ لو كان الممكن صانعا، لكان في تصرفه توزيعٌ وفي قوته انقسامٌ وفي توجّه اقتداره واختياره تجزؤ، مع أن ما يتعلق من الثلاثة بالنحلة مثلا بحيثية لا يمكن -لو كان من الممكن المتجزي المتجاوز- أن لا يتجاوز. مع أن النحلةَ تتكشف عن اقتدار صانعها بوجهٍ لا يتعسر على ذلك الاقتدار خلقُ عوالمَ. فكيف ينحبس فيها ولا يتجاوز إلى المجاور، فلا بد بالضرورة أن يكون الصانعُ واجبَ الوجود واحدا لا نهاية ولا حدّ ولا انقسام لقدرته التي تجري في ميزان قدَره، وتُكتب على مسطره.
اعلم أن كونَ البعوضة والعنكبوت والبرغوث وأمثالها أذكى بمراتب، وأجزَل فطرةً، وأتم صنعةً من الفيل والجاموس والإبل، مع قصر أعمار هؤلاء، وعدم نفعها ظاهرا، بخلاف أولئك.. برهان باهر وآية نيّرة على أن الصانع لا كُلفةَ ولا معالجة ولا تعمُّل في خلقه الأشياءَ، بَل يقول: كن فيكون، ولا يَحكم عليه شيء، يفعل ما يشاء لا إله إلّا هو.
اعلم أن شُميسةَ الحباب كما أنها جزء كذلك جزئي؛ إذ هي شمسٌ بالهوية الظلّية دون الماهيةِ الأصلية فهي لا هي ولا غيرُها. فاشتراكُ الكائنات في الشمس لا ينقص من حصة الحباب شيئا، سواءٌ وجودُها وعدمها بالنسبة إليه. فللحباب أن يقول: الشمسُ بالتمام لي وفيّ، متوجهة إليّ.
اعلم أن ما يتصاغر ويتباعد عن دائرة الاسم الظاهر العظيم الواسع يتقارب ويتقيد بدائرة الاسم الباطن النسبي أو الحقيقي ﹛﴿ وَاللّٰهُ مِنْ وَرَٓائِهِمْ مُح۪يطٌ ﴾|﹜ (البروج:٢٠) بأسمائه. (17) فالإنسان بذهنه الجزئي المحدود المقيد الفاني فيما تعلق به، ينظر إلى عظمته تعالى وتدويره للسيّارات حول الشمس، فيستبعد منه أن يشتغلَ بخلق الذباب مثلا، بقياس الواجب على الممكن المسكين قياسا شيطانيا. فمن هذا القياس ينشأ ظلمٌ عظيم للمخلوقات الصغيرة، وتحقير لهم؛ إذ ما من شيء إلّا ويُسبّح خالقَه، ولا يتنزل لأن يكون له ربٌّ غيرُ مَن صيّر الدنيا بيتَه، والشمسَ سراجَه، والنجومَ قناديلَه، كأنه ليس في الدنيا إلّا ذلك الشيء الحي. فلا يجوز
اعلم أن كونَ البعوضة والعنكبوت والبرغوث وأمثالها أذكى بمراتب، وأجزَل فطرةً، وأتم صنعةً من الفيل والجاموس والإبل، مع قصر أعمار هؤلاء، وعدم نفعها ظاهرا، بخلاف أولئك.. برهان باهر وآية نيّرة على أن الصانع لا كُلفةَ ولا معالجة ولا تعمُّل في خلقه الأشياءَ، بَل يقول: كن فيكون، ولا يَحكم عليه شيء، يفعل ما يشاء لا إله إلّا هو.
اعلم أن شُميسةَ الحباب كما أنها جزء كذلك جزئي؛ إذ هي شمسٌ بالهوية الظلّية دون الماهيةِ الأصلية فهي لا هي ولا غيرُها. فاشتراكُ الكائنات في الشمس لا ينقص من حصة الحباب شيئا، سواءٌ وجودُها وعدمها بالنسبة إليه. فللحباب أن يقول: الشمسُ بالتمام لي وفيّ، متوجهة إليّ.
اعلم أن ما يتصاغر ويتباعد عن دائرة الاسم الظاهر العظيم الواسع يتقارب ويتقيد بدائرة الاسم الباطن النسبي أو الحقيقي ﹛﴿ وَاللّٰهُ مِنْ وَرَٓائِهِمْ مُح۪يطٌ ﴾|﹜ (البروج:٢٠) بأسمائه. (17) فالإنسان بذهنه الجزئي المحدود المقيد الفاني فيما تعلق به، ينظر إلى عظمته تعالى وتدويره للسيّارات حول الشمس، فيستبعد منه أن يشتغلَ بخلق الذباب مثلا، بقياس الواجب على الممكن المسكين قياسا شيطانيا. فمن هذا القياس ينشأ ظلمٌ عظيم للمخلوقات الصغيرة، وتحقير لهم؛ إذ ما من شيء إلّا ويُسبّح خالقَه، ولا يتنزل لأن يكون له ربٌّ غيرُ مَن صيّر الدنيا بيتَه، والشمسَ سراجَه، والنجومَ قناديلَه، كأنه ليس في الدنيا إلّا ذلك الشيء الحي. فلا يجوز
Yükleniyor...