القطعة الثانية من


ذرة من شعاع هداية القرآن

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

اعلم أن ناظمَ السماوات والأرض، ومكوّرَ الليل والنهار على جمجمة أرضنا ومهدنا كالعمامة المخططة، كيف يليق بألوهيته أن يفوّضَ بعضَ صفحات العالم إلى ممكنٍ مسكين؟ وهل يمكن أن يتصرفَ بالذات في ما تحت العرش غيرُ ربِّ العرش؟ كلّا. إذ لا تتقاصر تلك القدرةُ عن الإحاطة. فلا فُرجةَ للغير للمداخلة، مع أن عزةَ الجبروت والاستقلالية، ومحبةَ التودد والتعرّف لا تساعد (14) للغير -كائنا ما كان- أن يكون حجابا وواسطةً اسميةً تجلب إلى نفسه أنظار عباد الله.

على أن التصرفاتِ في الكل والجزء والنوع والفرد متداخلةٌ متساندةٌ لا يمكن التفريق ولو بين فاعلين متفقين، إذ ناظِم العالم في عين الوصف يدبر مهدَنا، وفي عين الحال يربي الإنسان، وفي عين الوقت يتصرف في شؤونات الأنواع، وفي عين الآن يصنع حُجيرات البدن، وفي عين الزمان يخلق الذرات بتلك القدرة المتوجهة إلى جميع الصفحات. بل بعين النظم يدبر، وبنفس التدبير يربّي، وفي عين التربية يتصرف ويخلق.

فكما لا يمكن أن تُنور الشمسُ وجهَ البحر دون خدود الحبابات، وعيونِ القطرات، وأناسي الرشاشات. (15) كذلك لا يمكن مداخلةُ شيء من الأشياء في ذرة من حجيرة من عضو من جزئي من ساكني الأرض بغير القدرة التي تكوّر ليلَها ونهارها. ومن صوَّر وأنشأ ونظّم دماغَ الذباب وعينَ المكروب، لا يترك أفعالَك غاربها على عنقها (16) سُدىً ومهملة بل يكتبها في «إمام مبين»، فيحاسبك عليها.


Yükleniyor...