والجبال. إذ من مضامين تلك الأمانة صيرورةُ الإنسان واحدا قياسيا لفهم الصفات المحيطة، وصيرورةُ ما فيه من «أنا» -الذي هو النقطة السوداء بالغفلة والشرك الخفي- مفتاحا لتنوير الصفات. فكيف ولأي شيء صار أكثرُ الإنسان حجابا وبابا وسدا. وكان لازما عليه أن يفتح فأغلَق.. وأن ينوِّر فأظلم.. وأن يوحِّد فأشرك.. وأن ينظر بمرصاده إلى الله فيسلِّم المُلكَ إليه، لكن نظر إلى الخلق بمرصادِ «أنا»، فقسّم مُلكَ الله عليهم.. نعم، إن الإنسان لظلوم جَهُول.
اعلم يا نفسي، إن أرضيت خالقَك بالتقوى والعمل الصالح، كفاكِ إرضاءَ الخلق. فإن رضوا منك بحسابه تعالى فنافعٌ، وبحساب أنفسهم فلا فائدة، إذ هم عاجزون مثلك. فإن أردت الشق الأول فأرضِ ربَّك، وإن أردتِ الثاني أشركتِ بلا فائدة.. ألا ترين أن مَن ذهب إلى مقرِ سلطانٍ مطلقٍ لمصلحةٍ، إن أرضاه تمت بلا كلفة، مع محبةِ الرعية له. وإن طلبها ممَن تحت حكمه المطلق يتعسّر -بل يتعذر- إرضاءُ الكل واتفاقُهم على إيفاء مصلحته. ثم بعد الاتفاق يحتاج إلى إذن السلطان، وإذنُه يتوقف على إرضائه إن كان إكراما، وإن كان استدراجا فلا بحث.
اعلم أن الواجبَ الوجود كما لا يشبه الممكنَ في الذات والماهية، كذلك لا يشبهه في أفعاله.. مثلا: لا فرقَ بالنسبة إليه بين القريب والبعيد، والقليل والكثير، والصغير والكبير، والفرد والنوع، والجزء والكل بالحدس الشهودي. وكذا لا كلفةَ ولا معالجة ولا مزاولة ولا مباشرة في فعله، خلافا للممكن. ولهذا يتحير العقلُ في فهم كنهِ أفعاله تعالى فيظن الفعلَ لا فعلا. (13)
اعلم أن أنيابَ الأسد كما تدل أن من شأنه الافتراسَ، وأن لطافة البطيخ على أنه للأكل، كذلك استعداد الإنسان يدل على أن وظيفتَه الفطريةَ العبوديةُ. وأن عُلويةَ روحانيته واشتياقَه إلى البقاء والأبدية تدل على أن الإنسان خُلق أولا في عالمٍ ألطفَ من هذا العالم، وأُرسل إلى هنا، ليتجهّزَ ويعود إليه. وأن كونه ثمرةَ شجرةِ الخلقة يدل على أن من الإنسان مَن هو نواة أنبت منها الصانعُ شجرةَ الخلقة، وما تلك النواة إلا مَن اتفق كلُّ الكُمّل، بل نصفُ البشر -بسر انصباغ العالم بصبغته المعنوية- على أنه أفضلُ الخلق بالتمام، وهو نورُ سيد الأنام الفاتحِ الخاتم عليه الصلاة والسلام..
اعلم يا نفسي، إن أرضيت خالقَك بالتقوى والعمل الصالح، كفاكِ إرضاءَ الخلق. فإن رضوا منك بحسابه تعالى فنافعٌ، وبحساب أنفسهم فلا فائدة، إذ هم عاجزون مثلك. فإن أردت الشق الأول فأرضِ ربَّك، وإن أردتِ الثاني أشركتِ بلا فائدة.. ألا ترين أن مَن ذهب إلى مقرِ سلطانٍ مطلقٍ لمصلحةٍ، إن أرضاه تمت بلا كلفة، مع محبةِ الرعية له. وإن طلبها ممَن تحت حكمه المطلق يتعسّر -بل يتعذر- إرضاءُ الكل واتفاقُهم على إيفاء مصلحته. ثم بعد الاتفاق يحتاج إلى إذن السلطان، وإذنُه يتوقف على إرضائه إن كان إكراما، وإن كان استدراجا فلا بحث.
اعلم أن الواجبَ الوجود كما لا يشبه الممكنَ في الذات والماهية، كذلك لا يشبهه في أفعاله.. مثلا: لا فرقَ بالنسبة إليه بين القريب والبعيد، والقليل والكثير، والصغير والكبير، والفرد والنوع، والجزء والكل بالحدس الشهودي. وكذا لا كلفةَ ولا معالجة ولا مزاولة ولا مباشرة في فعله، خلافا للممكن. ولهذا يتحير العقلُ في فهم كنهِ أفعاله تعالى فيظن الفعلَ لا فعلا. (13)
اعلم أن أنيابَ الأسد كما تدل أن من شأنه الافتراسَ، وأن لطافة البطيخ على أنه للأكل، كذلك استعداد الإنسان يدل على أن وظيفتَه الفطريةَ العبوديةُ. وأن عُلويةَ روحانيته واشتياقَه إلى البقاء والأبدية تدل على أن الإنسان خُلق أولا في عالمٍ ألطفَ من هذا العالم، وأُرسل إلى هنا، ليتجهّزَ ويعود إليه. وأن كونه ثمرةَ شجرةِ الخلقة يدل على أن من الإنسان مَن هو نواة أنبت منها الصانعُ شجرةَ الخلقة، وما تلك النواة إلا مَن اتفق كلُّ الكُمّل، بل نصفُ البشر -بسر انصباغ العالم بصبغته المعنوية- على أنه أفضلُ الخلق بالتمام، وهو نورُ سيد الأنام الفاتحِ الخاتم عليه الصلاة والسلام..
Yükleniyor...