أيتها الحجيرة الكبرى المعبَّرة ب«أنا»، المركَّبة من تلك الحجيرات! فقل (32) يا إلهي، يا ربي، يا خالقي، يا مصوري، يا مالكي، يا سيدي، يا مولاي لك الملك ولك الحمد: أنا مسافر في وديعتك وأمانتك ومملوكك الذي هو هذا الجسم بمشتملاته.
فيا «أنا» لِمَ تتملك ما لا يصير لك مُلكا؟ فتفرَّغْ من هذه الدعوى الباطلة، إذ توهُّمُ التملّك يوقعك في ألم أليم. فانظر إلى الشفقة التي هي من مزينات الروح ومراوحه، (33) لو بُنيتْ على توهمك هذا لانقلبت نكالا مزعجا للروح.
مثلا: إذا رأيت يتيما واحدا ضعيفا فقيرا له بيتٌ صغير ومُلك قليل يتهاجم عليه ألوفٌ من القاسية القلوب، كيف تتألم بألمه؟! ولو تزايد مثلُ هذه الواقعة إلى ما لا حدَّ له تتزايد الآلام المنعكسة إليك بنسبته. وأما إذا رأيت أحدَ نفرِ العسكر للسلطان، قد احترق مسكنُه أو غُصِبَ مَركَبه -بغير قصورك وبإذن السلطان- لا تتوجع على النفر؛ إذ المالُ للسلطان الذي لا يتأثر بمثل هذا النقصان، ولا يتأثر العساكر بضياعه تأثرا عميقا؛ إذ ليس هو ملكَه، وهو فقير، بل ملكَ غني خُرّب مالُه بواسطة أخرى، بل تترحم بحساب السلطان وبنظر رحمة السلطان. فالشفقة على خلق الله -من حيث هو خلق الله- كلما تزايدت تنبسط الروحُ. والشفقة الناشئة من الغفلة والمبنية على توهم المالكية بتزايدها ينقبض الروحُ ويتألم القلب بظلمة الغموم.
Yükleniyor...