كذلك: إن النظر الإيماني والتوحيدي يرى كلَّ ذي حياة يتصرف في وجوده، كالأمير المستأجَر على السفينة للسلطان الذي يتصرف في ملكه كيف يشاء. فهذا النظر لا يرى النملةَ ولا النحلةَ الصغيرة الفقيرة تُصارِع الأسبابَ الظالمة المهاجمة، بل يرى النملة والنحلة تتصرفان في سفينة برية وطيارة هوائية، زمامُهما وناصيتُهما تصل بيد قدرةِ قدير، تتصاغر الأسبابُ الهاجمة في نظر راكبهما. إنما النملة وكذا النحلة تصارع الأسبابَ -ولو عظمت- بالاستناد بمالكه الحقيقي.

وإذا قيل عند المصيبة: ﴿ اِنَّا لِلّٰهِ وَاِنَّٓا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (البقرة:١٥٦) فمعناه: المالُ له، وأنا في أمره، وإليه أذهبُ، ما عليّ لو لم أقصّر في حفظه. مَثَلُه كمثل نفرٍ هَجم على ما في يده من مال السلطان بعضُ الناس. يقول النفر: أنا وما معي للسلطان وإليه أذهب، فإن كان بإذنه فلا عليّ.. وأما إذا نظر بنظر توهم التملك انقلبت الشفقةُ نارا محرقة لمن له قلب؛ إذ يصير كل الحيوانات مثل اليتيم المذكور ويَرى في الكون مأتما عموميا..

 /  
477
Yükleniyor...