وكذا تجري فيك وعليك أفاعيلُ لا يلحقها شعورك مع أنها شعورية، فصانعهما ذو شعور سميعٌ بصير، لا أنت ولا الأسباب العُمْي الصُم. فلابد أن تتبرأ من دعوى المالكية وتوهُم مصدرية المحاسن، وتعترفَ بأنه ليس إليك منك إلّا النقصان والقصور؛ إذ بسوء اختيارك تُغيّر صورةَ فيضِ الكمال المُفاض عليك.. وبأنَّ الجسد الذي هو منزلك عاريةٌ وأمانة وأنت مسافر، ومحاسنك هذه موهوبةٌ وسيئاتِك مكسوبة لك، فلابد أن تقول: له الملك وله الحمد ولا حول ولا قوة إلّا بالله..

والثالث: الغرور

وكذا من مرضك غرورُك، فبحُكمهِ نظرتَ إلى الأسلاف العظام من بُعدٍ فتصاغروا في عينك، فحُرِمْتَ محاسنَ إرشاداتهم، وابتُليتَ بالأوهام المتطايرة من تحت أقدامهم في سلوكهم مع أوهامك. فانظر إليهم من قُربٍ تَرَهُم أعاظمَ كَشفوا في أربعين يوما ما لم تقتدر على كشفه إلّا في أربعين سنة.

والرابع: سوء الظن

وكذا من مرضك سوء الظن، فبحُكم أن الجائع يتوهم الناسَ جياعا، أسأتَ الظن -بسبب مرضك وريائك- بأولئك الأسلاف العظام. فقد رأيت أنك بغمضِ عينك جعلتَ النهارَ ليلا على نفسك فقط.

اَللَّهُمَّ احفظنا من اليأس وسوء الظن والعجب والغرور، آمين..


∗ ∗ ∗


ثم قد شاهدت في سياحة تحت الأرض المعنوية وفي بطنها حقائق:

الحقيقة الأولى: اعلم أن الغفلة عن المالك الحقيقي جلّ جلاله، سببٌ لفرعونية النفس، فتتوهم نفسَها مالكةً لها، فيتشكل في وهمها دائرةٌ لحاكميتها، ثم تقيس الناسَ بل الأسباب على نفسها، فتقسّم مالَ الله عليها، فتُعارض الأحكامَ الإلهية، وتبارز مع مقدرات خالقها؛ مع أن الحكمة في إعطاء أنانيةٍ لها أن تصير واحدا قياسيا لفهم صفات الألوهية، فأساءت بسوء الاختيار، فصرفَتْها في غير ما وُضِعَت له..

 /  
477
Yükleniyor...