فالنظر الأول: هو النظر من جانب الأصل، فإذا نظر الموفَّقُ إلى الجُرثوم يرى فيها حوضا عظيما منبعُه الصافي هو الوحي المحض، فتزايدَ الحوضُ بتحلّب الآيات الآفاقية والأنفسية. فمِن ذلك الحوض الممتزج مادةُ حياة الثمرات وغذائها. فإثباتُ حياةِ ثمرة واحدة تكفي لإثبات سائر أخواتها، بل -وكذا- تدل على حياة شجرتها، مع أن إثبات حياة الثمرة سهلٌ سريع يحصل برؤية الاتصال فقط، وإبطالَها وزوالها عسير بطيء، لا يقتدر على إبطالها مع بقاء الاتصال وعلى منبع (25)سريان الحياة إليها ما لا يقتدر على قلع الأصل. ولو صادف هذا النظر بين الثمرات ميتةً يابسة حَكَمَ بأنها دخيلةٌ ويُحيل موتَها على الأسباب الخارجية. هذا النظر هو النظر الإيماني والإسلامي والمستقيم السهل والمنقاد لطور النبوة.. اَللَّهُمَّ ارزقنا وثبتنا عليه.
والنظر الثاني: السقيم الذي هو منشأ الضلالات ومعدن الاضطرابات، هو النظر من جانب الثمرات بنظر تنقيدي.. وفي هذا النظر يحتاج في كل ثمرة إلى الإثبات والذوق، لفقد الاتصال هنا، مع أن إثبات ثمرةٍ فردةٍ وإيصالَ مادةِ غذائها عسيرٌ يحتاج إلى ما يحتاج إليه تمامُ الأصل، مع أن زوالها وبطلانَها سريع يحصل بأدنى شيء. ولو صادف بينَها ميتةً يابسة أحالَها على موت الأصل.. أعاذنا الله من هذا النظر، لكن لو كان هذا النظر تابعا للنظر الأول كان حَسنا وسببا لاطمئنان النفس.
سعيد النورسي
∗ ∗ ∗