تنبيه

اعلم أن هاتيك البراهين على هذا المطلب العالي، كالدائرة المحيطة بالمركز، وكلُّ نقطة من المحيط كمنفذ ينظر بلونه المخصوص إلى المركز، وبين النقاط تساندٌ يزيل ضعفَ الأفراد الخصوصية، ويتولد من مجموع البراهين حدسٌ صادقٌ ينظَّم إلى نور الإسلام، ثم يُنَظَّم إلى التسليم لطور النبوة، ثم يُنظَّم لنور الإيمان القيوم للمطلوب. وما البراهين إلا منابع لتحلُّب هذا الحدس، فضعفُ الفرد يزول بسرّ التساند.. ومع فرض عدم زواله لا يسقط الفردُ عن الجزئية وعن الاعتبار، بل عن الاستقلالية والبرهانية.. ومع فرض إبطال الفرد لا تبطل الدائرةُ بل تتصاغر.. وبفرض إبطالها لا يزول الحدسُ الصادق.. وبفرض زواله فلا بأس أيضا.. إذ نور الإسلام قائم، وبعدَه التسليمُ لطور النبوة لا يتزلزل.. وبعدَه نور الإيمان الموهوب قيومٌ. فطلبُ قوةِ وضوحِ المطلوب المترتب على مجموع البراهين من كل فردٍ على حدة بجزئية الذهن من مرض النفس، الذي يزيد مرضَها ويلقنها ملَكةَ الرد والإنكار.. اَللَّهُمَّ احفظنا! فالبرهان الواحد أولا يُنظر به إلى المطلوب، ثم يتشرب أنموذج المجموع فتتساقط عنه الأوهام.

اعلم أيضا أن من البراهين ما هو كالماء، ومنها ما هو كالهواء، ومنها ما هو كالضياء، لابد من التوجه بلطفٍ ووُسعةِ نظرٍ في لينة؛ وإلّا فبالحرص والتعمق والجسّ بأصابع التحري يسيلُ ويزولُ ويختفي. (23)

❒ ثم اعلم أن النظر إلى شجرة ذات أغصان وفروع وثمرات لمعرفة حياتها وطعمها ودرجة قوتها على قسمين:

نظرٌ من طرف الأصل والجُرثوم، (24) فهذا نظر سهل وبسيط مستقيم متين.

والثاني: من طرف الثمرات والفروعات، فهذا النظر بدون النظر الأول سقيم موصلٌ إلى الضلالات.

كذلك إن شجرة الإسلامية جُرثومها في السماء، أغصانها منتشرة في آفاق الكثرة، فلمعرفتها نظران؛ وللدخول في دائرتها طريقان:

 /  
477
Yükleniyor...