(٤٧) وإن «التجاآت ذوي البلايا» شعوريا وغير شعوري عند الاضطرار إلى حاميها المجهول، بل خالقها، تدل على وجوب وجود ملجأ الخائفين، وغياث المستغيثين.

(٤٨) وإن «مشاهدة كل الكُمّلين» العابرين من الظاهر إلى الباطن، واتفاقَهم بالكشف والشهود والذوق والمشاهدة على أن كل الأكوان ظلالٌ لأنوارِ ذاتٍ تدل على وجوب وجود شمس الأزل الذي هذه الأكوانُ ظلالُ أنواره.

(٤٩) وكذا إن ما يُعلَم بل يُتحدَّس بل يُحَسّ بل كأنه يُرى ويُشاهد مِلءَ الكون والفضاء، قد توضعت على مثل الذرة أمثالُ الجبال من «الأفاعيل المتجلية، وتجليات الأسماء» السيالة الهابطة من مرتبة الوجوب والوحدة، تدل بالضرورة على أن مبدأ هذه الأفاعيل ليس مرتبةَ الإمكان، بل هي أشعة مرتبة الوجوب، وتدل على وجوب وجود ذاتٍ مقدس فاعلٍ لهذه الأفاعيل، ومسمىً لهذه الأسماء.

(٥٠) وإن «اضطرابات الأرواح» من الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة المنجرة إلى الاستنكار ثم إلى محالات متسلسلة في تفويض الأكوان إلى أنفسها وأسبابها تلجئ العقول والأرواح، للخلاص من مرض الاضطراب والتشفي منه إلى امتثال أمر: ﴿ فَفِرُّٓوا اِلَى اللّٰهِ ﴾ (الذاريات:٥٠).. ﴿ اَلَا بِذِكْرِ اللّٰهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد:٢٨).. ﴿ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ (فاطر:٤) الذي بقدرته يحصل الإيضاح لكل مشكل وبذكره تطمئن القلوب. نعم، لا مؤثر في الكون حقيقةً إلا الله..

(٥١) وكذا إن ما يُرى من «القَدر بالضرورة» في المحسوسات، و«بالنظر» في غيرها، يدلان على وجوب وجود مَن خلق كل شيء وقدّره تقديرا؛ إذ عالَم الشهادة مجموعا وأجزاءً، لكل شيء منه غاياتٌ منتظمة، ونهاياتٌ مثمرة وحدود كأنها آجال منتظمة، التي تسمى بالمقادير التي لا تحصل إلَّا بقوالب؛ وما هي إلّا القضاء والقدر، التي هي قوالب القدَر قُدّتْ على مقدارِ قامات الأشياء، تعينت أولا فبنيت الأشياء على هندستها. فإن شئت مثالا فانظر إلى بدنك باعوجاجاته ويدك بأصابعها.. فيُنتَقل بالحدس الصادق، من هذا القَدر الضروري إلى القَدَر النظري في المعنويات والأحوال؛ إذ لها أيضا نهايات وغايات مثمرة وحدود وآجال منتظمة، هي مقاديرها، هي قوالبها ترسّمت بيد القضاء والقدر، فكتبت القدرةُ كتابَ المعاني

 /  
477
Yükleniyor...