فكر؛ وللزم قبول كون صاحب هذه الأفعال الحكيمة الرحيمة الكريمة العادلة -حاشا، ثم حاشا!- سفيها لعّابا، وظالما غدّارا، فيلزم انقلاب الحقائق بأضدادها، وهو محال باتفاق جميع أهل العقل غير السوفسطائي الذي ينكر وجود الأشياء، حتى وجودَ نفسه. فمن لم يصدِّق فهو كالسوفسطائي، أحمقُ من هبنّقة المشهور الذي كان لا يعرِف إلّا نفسَه، ولا يعرف نفسَه إلّا بقلنسوته، حتى إذا رآها على رأس أحدٍ ظن أنه نفسه! ففِكرُ المنكِر كقلنسوة هذا!

∗ ∗ ∗


فيا من رافقني بفهمه من أول المسألة إلى هنا! لا تظنّن انحصار الدلائل فيما سبق. كلا! بل يشير القرآن الحكيم إلى ما لا يعد ولا يحصى من أمارات: أن خالقنا سينقلنا من هذا المشهر المؤقت إلى مقرّ سلطنة ربوبيته الدائمة.. ويلوّح إلى ما لا يحد ولا يستقصى من علامات: أنه سيبدل هذه المملكة السيّالة السيارة بتلك المملكة المستمرة السرمدية..

وكذا لا تحسبنّ أنّ ما يقتضي الآخرة والحشر من الأسماء الحسنى، منحصرٌ على:»الحكيم والكريم والرحيم والعادل والحفيظ». كلا، بل كل الأسماء المتجلية في تدبير الكائنات، تقتضيها بل تستلزمها.

الحاصل: إن مسألة الحشر مسألة قد اتَّفق عليها:

الحقُ سبحانه بجماله وجلاله وجميع أسمائه..

والقرآنُ المبين المتضمن لإجماعِ كلِ كتبِ الأنبياء والأولياء والأصفياء..

وأكملُ الخلق محمدٌ الأمينُ عليه الصلاة والسلام، الحاملُ لسرّ اتفاق ذوي الأرواح النيّرة الصافية العالية، من الرسل والنبيين ومن أهل الكشف والصديقين..

وهذه الكائناتُ بآياتها، حتى إن لكلٍ من هذه الموجودات -كلا وجزءا وكليا وجزئيا- وجهين:

فوجه؛ ينظر إلى خالقه وفي ذلك الوجه ألسنةٌ كثيرة، تشهد وتشير إلى الوحدانية..

ووجه آخر؛ ينظر إلى الغاية والآخرة، وفي هذا الوجه أيضا ألسنةٌ كثيرة تدل وتشهد على الدار الآخرة واليوم الآخر.

 /  
477
Yükleniyor...