ومرحمة ربوبيته؛ إذ خُلفُ الوعد نتيجةُ الجهل أولا والعجز آخرا. فخلف الوعد محال على العليم المطلق والقدير المطلق. فليس إيجاد الحشر بانقلاباته وبجنّاته بأعسر عليه من إيجاد الربيع بتحولاته وبجنانه. وأما وعدُه سبحانه فثابت بتواتر كل الأنبياء بإجماع جميع الأصفياء. استمع قوةَ وعدِه سبحانه من هذه الآية: ﹛﴿ اَللّٰهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ اِلٰى يَوْمِ الْقِيٰمَةِ لَا رَيْبَ ف۪يهِ وَمَنْ اَصْدَقُ مِنَ اللّٰهِ حَد۪يثًا ﴾|﹜ (النساء:٨٧).. ﹛﴿ قُتِلَ الْاِنْسَانُ مَٓا اَكْفَرَهُ ﴾|﹜ (عبس:١٧) لا يصدِّق حديثَ مَن هذه الموجودات كلماتُه الصادقة بالحق، وهذه الكائنات آياتُه الناطقة بالصدق؛ ويعتمد على هذيانات وهمِه وحماقات نفسِه وأباطيل شيطانه. نعوذ بالله من الخذلان ومن شر النفس والشيطان..

ولاسيما: أنّا نشاهد في هذا العالم تظاهراتِ ربوبيةٍ محتشمة سرمدية، وآثارَ سلطنةٍ مشعشعةٍ مستقرة. وقس عظمة صاحب هذه الربوبية من كون هذه الأرض بسَكَنَتها كحيوان مسخّر مذلل تحت أمره يحييها ويميت، ويربّيها ويدبّر. والشمس بسياراتها مسخرةً منظمة بقدرته ينظمها ويدَوِّر، ويقدرها ويكوّر. مع أن هذه الربوبية السرمدية المستمرة والسلطنة المستقرة المحيطة -بشهادة تصرفاتها العظيمة المحيّرة للعقول- لا تقومان على هذه الأمور الزائلة الواهية المتبدلة السيّالة، ولا تُبْنَيان على مثل هذه الدنيا الفانية المغيّرة المتخاذلة المنغّصة. بل لا يمكن أن تكون هذه الدنيا في سرادقات هذه الربوبية إلا كميدان بُنيت فيها منازلُ مؤقتة للتجربة والامتحان والتشهير والإعلان، ثم تُخرَّب وتبدل بقصور دائمة ويساق إليها الخلق. فبالضرورة لابدّ أن يوجَد لربّ هذا العالم الفاني المتغير عالمٌ آخر باقٍ مستقر. ومع ذلك قد أَخبر كلُّ مَن ذهب من الظاهر إلى الحقيقة من ذوي الأرواح النيّرة والقلوب المنوّرة والعقول النورانية، ودخل في حضور قُربه سبحانه أنه أعدّ للمطيعين والعاصين دارَ مكافأة ومجازاة، وأنه يَعِدُ وعدا قويا ويوعد وعيدا شديدا، وهو أجلُّ وأقدس من أن يَذِلّ ويتذلّل بخُلف الوعد، وأعلى وأعزّ من أن يَعجز عن إنجاز الوعيد. مع أن المخبِرِين الذين هم الأنبياء والأولياء والأصفياء متواترون، وأهلُ اختصاص لمثل هذه المسألة، وقد أجمعوا واتفقوا -مع تخالفهم في المسالك والمشارب والمذاهب- على هذا الإخبار الذي تؤيده الكائنات بآياتها. فهل عندك أيها الإنسان حديثٌ أصدقُ من هذا الحديث؟ فهل يمكن أن يكون خبر أصدقَ من هذا الخبر وأحقَّ؟

Yükleniyor...