فإذ شاهدتَ هاتين الدائرتين وهذين اللوحين، فانظر إلى مناسبة الدائرتين واللوحين حتى تشاهِد بالعيان أن دائرة العبودية تتحرك جميعُ جهاتها باسم الدائرة الأولى، وتعمل بجميع قوتها بحسابها، وحتى تشاهد بأدنى دقة أن لوح التفكر والتشكُّر والاستحسان والإيمان ينظر بجميع معانيه وإشاراته إلى لوح الصنعة والنعمة.

فإذ شاهدتْ عينُك هذه الحقيقةَ فهل يمكن لعقلك أن ينكر أعظَم المناسبة بين رئيس دائرة العبودية وصاحب دائرة الربوبية؟ وهل يجوز لقلبك أن لا يوقن بأن ذلك الرئيس الذي يَخدم بالإخلاص لمقاصد الصانع في تشهير صنعته وتقديرها، له مناسبة عظيمة مع الصانع، وانتساب قوي إليه، وله معه مكالمة، ومنه إليه رسالة؟ نعم، فبالبداهة يُعْلَمُ أنه محبوبٌ مقبولٌ عند مالك الملك بل أحب الخلق إليه وأقربهم منه.

فيا أيها الإنسان! هل يمكن في عقلك أن لا يباليَ ولا يهتمَّ صانعُ هذه المصنوعات المزيّنات بأنواع المحاسن، ومُنعِمُ هذه النعم، المُراعي لدقائق الأذواق في أفواه الخلق، بمثل هذا المصنوع الأجمل الأكمل المتوجه إليه بكمال الاشتياق والتعبد والتحبب، وبمثل هذا المخلوق الذي أطربَ الفرشَ والعرشَ بوَلْوَلة استحساناته، ودمدَمة تقديراته، لمحاسن صنعة ذلك الصانع، واهتز البرُّ والبحرُ جذبةً من زَمْزَمَة تشكّراته لإحسانات ذلك الفاطر، ومن شَعْشَعَة تكبيراته لعظمة ذلك الخالق المنعم؟

فهل يمكن أن لا يبالي مثلُ ذلك الصانع المُحسن المقتدر بمثل هذا المصنوع المستحسِن المتشكِّر؟ وهل يمكن أن لا يتوجهَ إليه؟ وهل يمكن أن لا يتكلم معه؟ وهل يمكن أن لا يحبه؟ وهل يمكن أن لا يقرّبه إليه؟ وهل يمكن أن لا يريد سرايَة وَضْعِيَّته الحَسنة وحالته الجميلة إلى عموم الخلق؟ وهل يمكن أن لا يجعله قدوةً للناس حتى ينصبغوا بصبغته ووضعيته وحالته؟ وهل يمكن أن لا يجعله رسولا إلى الناس كافة؟

أم هل يمكن أن لا يكون لصانع هذه المصنوعات المنتظمةِ الدالةِ نقوشُ صنعتها على علم بلا نهاية وعلى حكمة بلا غاية، شعورٌ واطلاع على الفرد الأكمل والأجمل من مصنوعاته..؟ أم هل يمكن أن يعلَم ويبصر ولا يتكلم معه..؟ أم هل يمكن أن يتودد ويتعرف بتزيينات مصنوعاته، ولا يودّ ولا يعرف مَن يودّه كما يَحِق، ويعرفه كما يليق، ويتودد إليه بالصدق، ويتعبّد له بالحق..؟

Yükleniyor...