الرشحة الرابعة
اعلم أنَّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيرا عظيما في محاكمات العقول.. فإن شئت فتعال، نخلع هذه الخيالات الزمانية والعصرية والمحيطية، ونتجرّد من هذا اللباس الملوّث؛ ثم نخوض في بحر الزمان السيال، ونَسبَح فيه إلى أن نخرج إلى عصر السعادات التي هي الجزيرة الخضراء فيما بين العصور والدهور، فلننظر إلى جزيرة العرب التي هي المدينة الشهباء في تلك الجزيرة الزمانية، ولنلبس ما نسَجَ لنا ذلك الزمانُ، وخاطه لنا ذلك المحيط، حتى نزور -ولو بالخيال- قطبَ مركزِ دائرةِ الرسالة، وهو على رأس وظيفته يعمل.
فافتح عينيك وانظر! فإن أول ما يتظاهر لنا من هذه المملكة: شخصٌ خارقٌ، له حسنُ صورةٍ فائقة، في حُسن سيرة رائقة؛ فها هو آخذ بيده كتابا مُعجزا كريما، وبلسانه خطابا موجزا حكيما يبلّغ خطبة أزلية ويتلوها على جميع بني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات.
فيا للعجب! ما يقول؟ نعم، يقول عن أمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم؛ إذ يشرح ويحل المعمّى العجيبة في سرّ خِلقة العالم، ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سر حكمة الكائنات، ويوضح ويبحث عن الأسئلة الثلاثة المعضلة التي أشغلت العقولَ وأوقعتها في الحيرة؛ إذ هي الأسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود، وهي: مَن أنت؟ ومِن أين؟ وإلى أين؟
الرشحة الخامسة
انظر إلى هذا الشخص النوراني، كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نَوّارا، ومن الحق نُورا مضيئا! حتى صيّر ليل البشر نهارا وشتاءَه ربيعا، فكأن الكائنات تَبدَّل شكلُها فصار العالم ضاحكا مسرورا بعدما كان عبوسا قمطريرا.
إذ إذا لم نستضئ بنوره نرى في الكائنات مأتما عموميا، ونرى موجوداتها كالأجانب والأعداء، لا يعرف بعضٌ بعضا، بل يعاديه، ونرى جامداتها جنائز دهّاشَة، ونرى حيواناتها وأناسيّها أيتاما باكين بضربات الزوال والفراق، ونرى الكائنات بحركاتها وتنوعاتها وتغيّراتها ونقوشها مَلعَبةَ التصادف مُنجرّةً إلى العبثية مهملةً لا معنى لها، ونرى الإنسان قد صار -بعَجزه
اعلم أنَّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيرا عظيما في محاكمات العقول.. فإن شئت فتعال، نخلع هذه الخيالات الزمانية والعصرية والمحيطية، ونتجرّد من هذا اللباس الملوّث؛ ثم نخوض في بحر الزمان السيال، ونَسبَح فيه إلى أن نخرج إلى عصر السعادات التي هي الجزيرة الخضراء فيما بين العصور والدهور، فلننظر إلى جزيرة العرب التي هي المدينة الشهباء في تلك الجزيرة الزمانية، ولنلبس ما نسَجَ لنا ذلك الزمانُ، وخاطه لنا ذلك المحيط، حتى نزور -ولو بالخيال- قطبَ مركزِ دائرةِ الرسالة، وهو على رأس وظيفته يعمل.
فافتح عينيك وانظر! فإن أول ما يتظاهر لنا من هذه المملكة: شخصٌ خارقٌ، له حسنُ صورةٍ فائقة، في حُسن سيرة رائقة؛ فها هو آخذ بيده كتابا مُعجزا كريما، وبلسانه خطابا موجزا حكيما يبلّغ خطبة أزلية ويتلوها على جميع بني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات.
فيا للعجب! ما يقول؟ نعم، يقول عن أمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم؛ إذ يشرح ويحل المعمّى العجيبة في سرّ خِلقة العالم، ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سر حكمة الكائنات، ويوضح ويبحث عن الأسئلة الثلاثة المعضلة التي أشغلت العقولَ وأوقعتها في الحيرة؛ إذ هي الأسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود، وهي: مَن أنت؟ ومِن أين؟ وإلى أين؟
الرشحة الخامسة
انظر إلى هذا الشخص النوراني، كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نَوّارا، ومن الحق نُورا مضيئا! حتى صيّر ليل البشر نهارا وشتاءَه ربيعا، فكأن الكائنات تَبدَّل شكلُها فصار العالم ضاحكا مسرورا بعدما كان عبوسا قمطريرا.
إذ إذا لم نستضئ بنوره نرى في الكائنات مأتما عموميا، ونرى موجوداتها كالأجانب والأعداء، لا يعرف بعضٌ بعضا، بل يعاديه، ونرى جامداتها جنائز دهّاشَة، ونرى حيواناتها وأناسيّها أيتاما باكين بضربات الزوال والفراق، ونرى الكائنات بحركاتها وتنوعاتها وتغيّراتها ونقوشها مَلعَبةَ التصادف مُنجرّةً إلى العبثية مهملةً لا معنى لها، ونرى الإنسان قد صار -بعَجزه
Yükleniyor...