على الطبيعة أن تُحضر -معنىً- جهازاتٍ تُشكِّل كل الأشياء وماكيناتها المعنوية وأسبابها في كل شيء شيءٍ. فهذه سفسطة يتنفّر منها السوفسطائي أيضا، وخرافةٌ يخجل منها من يُضحِكُ الناس بنقل الخرافات.

اللمعة الخامسة

انظر! كما أن كل حرف من كتاب يدل على نفسه بمقدار حرف وبوجه واحد، لكن يَدُلّ على كاتبه بوجوه ويعرِّفُ نَقّاشَه بمقدار سطر..؛ (19)كذلك كلُّ حرف مجسمٍ من كتاب الكائنات يدل على نفسه بمقدار جِرمه ويُظهر ذاتَه بمقدار صورته، لكن يدل على صانعه بوجوه كثيرة، إفرادا وتركيبا بدخوله في المركبات، ويُظهر أسماءَ صانعه ويُنشد في بيانها بمقدار قصيدة طويلة.

فعلى هذا لو تحَمَّقَ أحدٌ ك«هبنّقة» (20)فأنكر نفسه وأنكر الكائنات، ينبغي أن لا يتجاسر بإظهار نهاية البلاهة على إنكار الصانع.

اللمعة السادسة

انظر! كما أن الصانع سبحانه وضع على كل جزئيٍ جزئيٍ خاتمَه الخاص، وضرَب على كل جزءٍ جزءٍ سكّته المخصوصة -كما مرّ-؛ كذلك وَضَع على كلّ نوعٍ نوعٍ وعلى كلِّ كُلٍّ كُلٍّ خاتمه الخاص، وخَتم أقطار السماوات والأرض بخاتم الواحدية، وضرب على مجموع العالم سكةَ الأحدية بصورة جلية واضحة.

فانظر إلى خاتمه الذي أشارت إليه آيةُ ﹛﴿ فَانْظُرْ اِلٰٓى اٰثَارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا اِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتٰى وَهُوَ عَلٰى كُلِّ شَيْءٍ قَد۪يرٌ ﴾|﹜ (الروم:٥٠)، إذ في كيفية إحياء الأرض حشرٌ عجيب، ونشر غريب، يُحشَرُ في إحيائها أزيدُ من ثلاثمائة ألف نوع، تُساوي أفرادُ نوعٍ واحد -من كثير من تلك الأنواع- في السنة مجموعَ أفراد الإنسان في الدنيا؛ لكن لحكمة خفية لا تعادُ في الأكثر بأعيانها، بل بأمثالها بمثليةٍ كالعينية! وكيفما كان فلا بأس في دلالتها على سهولة حشر البشر، وفي كونها أمثلةَ النشر وإشاراتِ الحشر.


Yükleniyor...